فنون النثر الأدبي في العصر العباسي
نشط
النثر في العصر العباسي نشاطاً واسعاً بسبب الاتّصال بالأمم الأخرى وما حملتْ معها من ثقافات
مختلفة كالفارسية والسريانية والهندية والتأثر بالمنطق والفلسفة، بالإضافة إلى
الاقتباس من القرآن الكريم والاستشهاد بالآيات الكريمة والشعر والأمثال والحكم مما
أدى بالكتاب والخطباء إلى الوصول لأرقى المناصب في الدولة فكان منهم الوزراء
والولاة والقضاة والقادة والرئاسة، بسبب إتقانهم فن الكتابة.ظهرت ألوان جديدة من النثر كالنثر الأدبي والفلسفي والاجتماعي وكتابة القصص والتاريخ وشرح الكتب والنقد الأدبي وظهور المقامات والتوقيعات وغيرها.
أولاً:- الخطابة:
أ- الخطابة السياسية: اشتدت الخطابة في بداية الدولة العباسية بسبب الصراع على الحكم ويبين كل طرف أحقيته في الخلافة وظهور الثورات ضد العباسيين، وكذلك في عهد الفتن بين العباسيين أنفسهم كالفتنة بين الأمين والمأمون أبناء هارون الرشيد
العباسيين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كا جاء في قوله تعالى:"إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ". وتعرض في خطبته للسبئية من الشيعة وبين أخطاء الأمويين وظلمهم للرعية...
*- خطبة محمد بن عبد الله العلوي المُلقَب بـالنفس الزكية أيام أبي جعفر المنصور بقوله:(أمّا بعد أيُّها الناسُ، فإنَّه كان مِنْ أمرِ هذا الطاغيةِ عدوّ الله أبي جعفر...) إلى أن قال:
(إنَّ أحقَّ الناسِ بالقيام فى هذا الدين أبناءُ المهاجرين الأولين والأنصار المواسين. اللهمَّ إنَّهم قدْ أحلّوا حرامَك وحرّموا حلالَك وعملوا بغير كتابك وغيّروا عهدَ نبيك صلى الله عليه وسلم وآمنوا مَنْ أخفتَ وأخافوا مَنْ آمنتَ، فأحْصِهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تُبقِ على الأرض منهم أحداً).
ب- خُطب التعزية والتهنئة: تعزية وتهنئة الخلفاء بموت أحدهم وتولية الآخر، مثل:
(آجر الله أمير المؤمنين على أمير المؤمنين قبله، وبارك لأمير المؤمنين فيما خلفه له أمير المؤمنين بعده، فلا مصيبة أعظم من فقد أمير المؤمنين، ولا عقبى أفضل من وراثة مقام أمير المؤمنين، فاقبل يا أمير المؤمنين من الله أفضل العطية، واحتسب عنده أعظم الرزيّة).
ج- الخطابة الدينية:
1- خُطب الخلفاء: قال هارون الرشيد في إحدى خطبه:
ب- في العصر العباسي الثاني:
يقول شوقي ضيف: (لكن الخطابة الدينية إن كانت قد ضعفت على ألسنة الخلفاء فإنها نشطت نشاطا عظيماً فى المساجد فقد كانت تعقد حلقات للوعاظ والقصّاص وكان الناس يتحلّقون من حولهم فيما يشبه احتفالات الأعياد، وكان منهم الرسميون الذين تعيّنهم الدولة للخطابة فى أيام الجمع ومنهم غير الرسميين، وهم الجمهور الأكبر).
*- خُطَب الوعّاظ والنُّساك: وعظ صالح بن عبد الجليل الخليفة المهدي بقوله:
ثانياً: الرسائل الديوانية:
*- كثرة الدواوين في العصر العباسي وشملت مناحي الحياة وفي مختلف المدن والأمصار وكان منها دواوين الخلفاء والولاة والأمراء ودواوين القواد ودواوين نساء الخلفاء...
*- تولى ابن الزيات الوزارة في عهد المعتصم وعبد الله بن حسن الأصبهاني رئيس ديوان الرسائل، ومن لطيف ما يُروى بينهما أنّ عبد الله بن حسن الأصبهاني كتب عن الخليفة المعتصم إلى واليه على أرمينية بقوله:
(إن المعتصم أمير المؤمنين ينفخ منك فى غير فحم، ويخاطب امرءاً غير ذى فهم).
فقال محمد بن عبد الملك الزيات: هذا كلام ساقط سخيف جعل أمير المؤمنين ينفخ بالزّق كأنه حدّاد، ثم كتب محمد بن عبد الملك إلى عبد الله بقوله:
(وأنت تجرى أمرك على الأربح فالأربح والأرجح فالأرجح، لا تسعى بنقصان، ولا تميل برجحان) فقال عبد الله الأصبهانى: الحمد لله! قد أظهر من سخافة اللفظ ما دل على رجوعه إلى صناعته من التجارة، بذكره ربح السلع ورجحان الميزان ونقصان الكيل والخسران من رأس المال. فضحك المعتصم وقال: ما أسرع ما انتصف الأصبهانى من محمد).
ثالثاً:- الرسائل الإخوانية:
وهي التعبير عن مشاعر وعواطف الأفراد وأصبح فنّاً مستقلاً في العصر الإسلامي ، ولكن الرسائل تطورت في العصر العباسي بسبب وجود طائفة الكتاب المهرة وانتشار صناعة الكتابة وجودة الخط من أمثال ابن المقفع ومحمد بن زياد الحارثي.
*- موضوعاتها: الرغبة والرهبة والمدح والرثاء والعتاب والاعتذار والاستعطاف، والتهنئة والتعزية.
*- عزّى إبراهيم بن أبى يحيى الأسلمى الخليفة المهدي في موت ابنته بقوله:
(أما بعد فإن أحقّ من عرف حق الله عليه فيما أخذ منه من عظّم حق الله عليه فيما أبقى له. واعلم أن الماضى قبلك هو الباقى لك، وأن الباقى بعدك هو المأجور فيك، وأن أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه).
*- رسالة الجاحظ في مدح التُجار والتجارة يدافع فيها عن صديقه ابن الزيات ضد خصومه:
(أدام الله عزّك، وأسعدك بالنعمة وختم لك بالسعادة، وجعلك من الفائزين فهمتُ كتاب صاحبك ووقفت منه على تعدٍ في القول، وحيفٍ في الحكم. ولا يزال هذا الكلام ينجم من حشوة أتباع السلطان...).
رابعاً: المناظرات:
في العصر الإسلامي ظهرت المناظرات السياسية والدينية واشتهرت البصرة والكوفة بالجدل والمناظرة ولكنها في العصر العباسي أصبحت فناً كتابياً له أصوله وقواعده وأسسه وكان منها
المناظرات الفقهية والعقائدية والمناظرات الأدبية والنقدية والنحوية وكذلك المناظرات العرقية الشعوبية بين العرب والفرس.
خامساً: الوصايا:
الوصية فن أدبي جاهلي جاءت على لسان وصايا الآباء للأبناء ووصايا الحكماء والمعمرين
ولكنها تطورت في العصر العباسي كغيرها من فنون النثر الأدبي فشملت جميع جوانب الحياة المختلفة.
*- موضوعاتها : سياسية وتشمل وصيا الخلفاء والولاة والأمراء والجند، ووصايا تعليمية ودينية واجتماعية وثقافية وهي جزء من خُطب الوعاظ والنساك.
سادساً:- التوقيعات:
هي جمل قصيرة موجزة بليغة يرد بها الخلفاء والأمراء والولاة على الرسائل التي تصل إلى ديوان الرسائل.
والتوقيعات فن أدبي ظهر في العصر الإسلامي أيام الخلفاء الراشدين وانتشر في عهد الأمويين وزاد ازدهاراً في العصر العباسي اهتم به الخلفاء والأمراء والوزراء والكتاب. ومن الأمثلة على ذلك:
1- ردّ السفاح أبو جعفر المنصور على كتاب وصله من جماعة يشكون قلة الرزق، قال: "من صبر في الشّدة، شورك في النّعمة".
2- رد الخليفة هارون الرشيد على عامله على خراسان يشتكي من تذمّرهم منه، قال:" داوِ جرحَكَ لا يتسع".
سابعاً:- المقامات
فن أدبي جديد ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهي عبارة عن حكايات قصيرة تقوم على الاستعطاء والاستجداء لها بطل وراوٍ.
*- بطل حكايات بديع الزمان أبو الفتح الإسكندريّ والراوي عيسى بن هشام.
*- طريقتها:
أ- أحداث يقوم بها البطل في مجلس ما.
ب- ينقل الراوي هذه الأحداث خارج المجلس بوصف ما دار فيه من أحداث.
ج- تنتهي بانتصار البطل وتحقيق غرضه منها كحصوله على المال أو الطعام أو المتاع.
- يتميز البطل بالذكاء والفصاحة والمخادعة وقول الشعر وخوض المغامرات والقدرة على حسن التخلص والتفنن في استخدام ألوان البديع كالسجع.
*- موضوعها: الاستعطاء والاحتيال.
ثامناً:- الكتابة والتأليف والترجمة
*- بلغ الفن الكتابي درجة عالية وأصبح صناعة يتفنن فيها الكتّاب والشعراء، يقول شوقي ضيف:(فقد روى المسعودى عن أبى العباس المكى نديم محمد بن عبد الله بن طاهر أنه كان ينادمه ذات ليلة فى سنة 250 للهجرة، فسأله أن يصف له الطعام والشراب والطيب والنساء والخيل، فقال له: أيكون ذلك منثوراً أو منظوماً؟ قال: لا، بل منثوراً).
*- الكتابة في الأدب والنقد الأدبي والكتابة في التاريخ والقصص والحكايات والحيوان.
*- ألّف ابن قتيبة كتاباً أسماه (أدب الكاتب)، وألف الجاحظ كتاب (الأمصار وعجائب البلدان) بجانب كتب(البيان والتبيين وكتاب البخلاء وكتاب الحيوان).
*- ترجمة كتب وثقافات الأمم الأخرى كالفارسية والساسانية واليونانية والهندية.
ترجمة ابن المقفع كتاب (كليلة ودمنة) من الفارسية إلى العربية.
*- ظهور طبقة الوراقين والنّسّاخ وتأليف الكتب، وظهور المكتبات مثل خزائن الحكمة أو بيت الحكمة ببغداد التي أُنشئت في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد.
تاسعاً:- النثر الاجتماعي:
فن جديد ظهر في العصر العباسي ويتمثل في تصوير المجتمع تصويراً دقيقاً ومن أعلامه ابن المقفع والجاحظ.
1- ابن المقفع يقدم النصائح ويضع القوانين لإصلاح السلطان وبطانته لأنّ صلاح العامة من صلاح السلطان، لهذا الهدف ترجم كتاب كليلة ودمنة، وله
2- الجاحظ صوّر واقع المجتمع بدقة ووصف أحوال الناس وقسمهم ثلاث طبقات طبقة الحكام والأمراء والطبقة الوسطى من القضاة والعلماء والصنّاع والطبقة السفلى من العبيد والمتسولين...
فألّف كتاب (البخلاء) وبرع في وصفهم وتصوير حالاتهم التي يظهرون عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/