انْصُر أَخَاكَ ظَالماً أو
مَظْلُوماً
يُروَى أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلم قَالَ
هذا، فقيل: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ فَقَالَ صلى الله
عليه وسلم: تَرُدُّهُ عن الظلم.قَالَ أبو عبيد: أم الحديث فهكذا، وأما العرب فكان مذهبها في المثل نصرته على كل حال قال المفضل: أول من قَالَ ذلك جُنْدُب بن العَنْبَر بن تميم بن عمرو، وكان رجلاً دميماً فاحشاً، وكان شجاعاً، وإنه جَلَس هو وسَعْد بن زَيْد مَنَاة يَشْرَبَانِ، فلما أخذ الشرابُ فيهما قَالَ جندب لسعد وهو يمازحه: يا سعد لشُرْبُ لبن اللقَاح، وطولُ النكاح، وحُسْن المزاح، أحَبُّ إليك من الكِفَاح، ودَعْس الرِّمَاح، ورَكْضِ الوقَاح، قَالَ سعد: كذَبْتَ، والله إن لأعْمِلُ العامِلَ، وأنْحَرُ البازِل، وأسْكِتُ
القائل، قَالَ جُنْدُب: إنك لتعلم أنك لو فَزِغْتَ دَعَوْتَنِي عجلاً، وما ابتغيت بي بَدَلاً، ولرأيتني بَطَلاً، أركب العزيمة، وأمنع الكريمة، وأحمي الحريمة، فغضب سعد وأنشأ يقول:
هَلْ يَسُودُ الفَتَى إذا قَبُحَ الوَجْـ … هُ وأمْسَى قراه غَيْرَ عَتِيدِ
وَإذَا الناسُ في النَّدَىِّ رَأوْهُ … نَاطِقاً قَالَ قَوْلَ غَيْرِ سَديِدِ
فأجاب جندب:
لَيْسَ زَيْنُ الْفَتَى الْجَمَالَ وَلكِنْ … زَيْنُهُ الضَّرْبُ بِالْحُسَامِ التَّلِيدِ
إنْ يَنُلْكَ الْفَتَى فَزَيْنً وَإلَا … رُبَّمَا ضَنَّ بِاليَسِيرِ الْعَتِيدِ
قَالَ سعد، وكان عائفاً: أما والذي أحْلِفُ به لتأسرنَّكَ ظَعِينة، بين العَرينة والدهينة، ولقد أخبرني طَيْرِي، أنه لَا يَفُكُّكَ غيري، فَقَالَ جُنْدُب: كلَا! إنك لجَبَان، تكره الطِعان، وتُحُبُّ القِيَان، فتفرقا على ذلك، فَغبَرا حيناً، ثم إن جُنْدُبا خرج علي فرس له يطلب القَنَصَ، فأتى على أمةٍ لبني تميم يُقَال إن أصلها من جُرْهُم فَقَالَ لها: لتمكنني مَسْرُورة، أو تقهرين مجبورة،
قَالَت: مَهْلاً، فإن المرء من نُوكِه، يشرب من سقاء لَمْ يُوكِه، فنزل إليها عن فرسه مُدِلَاّ، فلما دنا منها قبضَتْ على يديه بيدٍ واحدة، فما زالت تَعْصِرُهما حتى صار لَا يستطيع أن يحركهما ثم كتفته بعِنَانِ فَرَسِه وراحت به مع غنمها، وهي تحدو به وتقول:
لَاتَأْمَنَنَّ بَعْدَهَا الوَلَائِدَا … فَسَوْفَ تَلْقَى بَاسِلاً مواردا
وَحَية تُضْحِي لحي رَاصِدَا …
قَالَ: فمرَّ بسعد في إبله، فَقَالَ: يا سعد أغثني، قَالَ سعد: إن الجَبَان لَا يُغيث، فَقَالَ جُنْدُب:
يا أيها المرءُ الكريمُ المشكوم … انْصُرْ أخاك ظالماً أو مظلوم
فأقبل إليه سعد فأطلقه، ثم قَالَ: لولَا أن يُقَال قتل امرأة لقتلتُكِ. قَالَ: كلَا! لم يكن ليكذب طَيْرُك، ويصدق غيرك، قَالَ: صدقت.
قوله: "انصر أخاك ظالماً " يجوز أن يكون ظالماً أو مظلوماً حالين من قوله أخاك ويجوز أن يكونا حالين من الضمير المستكن في الأمر، يعني انصره ظالماً إن كنتَ خصمه أو مظلوماً من جهة خصمه، أي لَا تُسْلِمه في أي حال كنت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/