منك أنفك وإن كان أجدع

 مِنْكَ أنْفُكَ وإن كان أجْدَعَ
يُضرب لمن يلزمك خيره وشره وإن كان ليس بمُستحكم القرب.
وأول مَنْ قَالَ ذلك قُنفُذُ بن جَعْوَنَةَ المازني للربيع بن كعب المازني، وذلك أن الربيع دفَعَ فرساً كان قد أبرَّ على الخيل كرماً وجودة إلى أخيه كَمِيشٍ ليأتي به أهله، وكان كَمِيش أنْوَكَ مشهوراً بالحمق، وقد كان رجل من بني مالك يُقَال له قُرَاد بن جَرْم قدم على أصحاب الفرس ليصيب منهم غِرَّةً فيأخذها، وكان داهية، فمكث فيهم مقيماً لا يعرفون نسبه ولَا يُظْهِرِه هو، فلمّا نظر إلى كَمِيش راكباً الفرسَ ركب ناقته، ثم عارضه فَقَالَ: يا كَمِيشُ هل لك في عَانَةٍ أرَ مثلَها سمناً ولَا عظماً وعِيرٍ معها من ذهب؟ فأمّا الأتُن فتروج بها إلى أهلك فتملأ قدورهم، وتفرح صدورهم، وأمّا العِيرُ فلَا افتقارَ بعده، قَالَ له كميش: وكيف لنا به؟ قَالَ: أنا لك به، وليس يدرك إلَا على فرسك هذا، ولَا يرى إلَا بليل، ولَا يراه غيري، قَالَ كَمِيش: فدونَكَه، قَالَ: نعم، وأمْسِكْ أنت راحلتي، فركب قُرَاد الفرسَ وقَالَ: انتظرني في هذا المكان إلى هذه الساعة من غدٍ، قَالَ: نعم، ومضى قُرَاد فلما توارى أنشأ يقول:
ضَيَّعْتَ فِي العيرِ ضَلَالاً مُهْرَكَا … لِتُطْعِمَ الحىَّ جَمِيعاً عَيْرَكَا
فَسَوْفَ تأتِى بالهَوَانِ أهْلَكَا … وَقَبْلَ هذا مَا خَدَعْتُ الأنْوَكَا
فلم يزل كَمِيشٌ ينتظره حتى أمسى من غده وجاع، فلما لمْ يَرَ له أثراً انصرف إلى أهله، وقَالَ في نفسه: إن سألن أخي عن الفرس قلت: تحوَّلَ ناقة، فلما رآه أخوه الربيعُ عرف أنه خُدِعَ عن الفرس، فَقَالَ له: أين الفرس؟ قَالَ: تحوَّل ناقة، قَالَ: فما فَعَلَ السَّرْجُ؟ قَالَ لم أذكر السرج فاطلب له عِلة، فصرعه الربيع ليقتله، فَقَالَ قنفذ بن جَعْوَنة: الْهُ عما فاتك فإن أنفَكَ منك وإن كان أجْدَعَ، فذهبت مثلاً، وقدم قُرَاد ابن جَرْم على أهله بالفرس، وقَالَ في ذلك:
رَأيْتُ كَمِيشاً نوكُهُ ليَ نَافِعٌ … وَلَمْ أرَ نوكاً قَبْلَ ذَلِكَ يَنْفَعُ
يؤمِّلُ عَيْراً مِنْ نُضَارٍ وَعَسْجَدٍ … فَهَلْ كَانَ لِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَطْمَعُ؟
وَقُلْتُ له: أمسِكْ قَلُوصِي وَلَا تَرِمْ … خِدَاعاً له إذ ذُو المَكَايد يَخْدَعُ
فأصْبَحَ يَرْمِي الخافقينِ بِطَرْفِهِ … وَأصْبَحَ تَحْتِي ذُو أفَانِينَ جُرْشُعُ
أبرَّ عَلَى الجُرْدِ العَنَاجيح كلها … فَلَيْسَ وَلَوْ أقحَمْتَهُ الوَعْرَ يَكْسَعُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/

  • من صدق الله نجا - النفر الثلاثة
    من صدق الله نجا - النفر الثلاثة

  • طارت بهم العنقاء
    طارت بهم العنقاء

  • جوع كلبك يتبعك
    جوع كلبك يتبعك

  •  القَول ما قالت حذام
    القَول ما قالت حذام

  •  من العجز والتواني نتجت الفاقة
    من العجز والتواني نتجت الفاقة

  •  أنواع الخبر الجملة الاسمية
    أنواع الخبر الجملة الاسمية

  • شرح قصيدة النسور محمد أبو سنة
    شرح قصيدة النسور محمد أبو سنة

  • شرح الأغراض البلاغية للإنشاء الطلبي
    شرح الأغراض البلاغية للإنشاء الطلبي

جميع الحقوق محفوظه © الإشراق1

تصميم الورشه