ترقى رقيك الأنبياء للبوصيري

 ترقى رقيك الأنبياء للبوصيري

كَيْفَ تَرْقََى رُقِيَّكَ الأَنبياءُ ** يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ

لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حاــــــلَ سناً مِنك دونَهم وسَناءُ

إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للناــــــــــــــس كما مثَّلَ النجومَ الماءُ

أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصــــــدُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ

لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيــــــبِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ

لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَاــــــرُ لك الأُمهاتُ الأَباءُ

ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا ** بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ

تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو ** بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ

وَبَدا للوُجُودِ مِنْك كريمٌ ** مِنْ كريمٍ آبَاؤُه كُرماءُ

نَسَبٌ تَحسِبُ العُلا بِحُلاهُ ** قَلَّدَتْهَا نجومهَا الْجَوزاءُ

حبذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ ** أنتَ فيه اليتيمةُ العصماءُ

وُمُحَيّاً كالشَّمس منكَ مُضِيءٌ ** أسْفَرَتْ عنه ليلةٌ غَرّاءُ

ليلةُ المولدِ الذي كَان للدِّيــــــــــــنِ سرورٌ بيومِهِ وازْدِهاءُ

وتوالَتْ بُشْرَى الهواتفِ أن قدْ ** وُلِدَ المصطفى وحُقّ الهَناءُ

وتَدَاعَى إيوانُ كِسْرَى ولَوْلا ** آيةٌ مِنكَ ما تَدَاعَى البناءُ

وغَدَا كلُّ بيتِ نارٍ وفيهِ ** كُرْبَةٌ مِنْ خُمودِها وَبلاءُ

وعيونٌ لِلْفُرسِ غارَتْ فهل كا ** نَ لنِيرانِهِم بها إطفاءُ

مَوْلِدٌ كان منهُ في طالعِ الكُفْـ **ـــرِ وبالٌ عليهِمُ ووباءُ

فَهنيئاً به لآمِنَةَ الفَضـ ** ـلُ الذي شُرِّفَتْ به حوَّاءُ

مَنْ لِحَوَّاءَ أنها حملَتْ أحْـ ** ــمدَ أو أنها به نُفَسَاءُ

يوْمَ نَالت بِوَضْعِهِ ابنَةُ وَهْبٍ ** مِنْ فَخَارٍ ما لم تَنَلْهُ النِّساءُ

وَأَتَتْ قومَها بأفضلَ مِمَّا ** حَمَلَتْ قبلُ مريمُ العذراءُ

شمَّتته الأَملاكُ إذ وضَعَتْهُ ** وشَفَتْنَا بِقَوْلِهَا الشَّفّاءُ

رافعاً رأسَه وفي ذلك الرفـ ** ـع إلى كل سُؤْدُدٍ إيماءُ

رامقاً طَرْفه السَّماءَ ومَرْمَى ** عينِ مَنْ شَأْنُهُ العُلُوُّ العَلاءُ

وتَدَلَّتْ زُهْرُ النُّجومِ إليهِ ** فأضاءت بِضوئها الأَرجاءُ

وتراءت قصورُ قَيصَر بالرُّو ** ــمِ يَرَاهَا مَنْ دَارُهُ البطحاءُ

وبَدَتْ فِي رَضَاعِهِ مُعْجِزَاتٌ ** لَيْس فيها عنِ العيون خَفَاءُ

إذْ أَبَتْهُ لِيُتْمِهِ مُرْضِعاتٌ ** قُلْنَ ما في اليتيمِ عنا غَنَاءُ

فأتتهُ من آلِ سعدٍ فتاةٌ ** قد أبَتْهَا لِفَقْرِهَا الرُّضَعاءُ

أرْضَعتْهُ لِبَانَهَا فَسَقَتْهَا ** وَبنِيها أَلْبَانَهُنَّ الشَّاءُ

أَصْبَحَتْ شُوَّلاً عِجافا وأمْسَتْ ** ما بِها شائلٌ ولا عَجْفاءُ

أخْصَبَ العَيْشُ عِنْدَهَا بعدَ مَحْلٍ ** إذ غَدا للنبيِّ منها غِذاءُ

يا لَها مِنَّةً لقدْ ضُوعِفَ الأَجْـ ** ــرُ عليها مِنْ جِنْسِها والجزَاءُ

وإذا سخَّرَ الإِلهُ أُناساً ** لسعيدٍ فإِنهم سُعَداءُ

حَبَّة أَنْبَتَتْ سَنَابِلَ والعَصـ ** ــفُ لَدَيْهِ يَسْتَشْرِفُ الضُّعَفَاءُ

وَأَتَتْ جَدَّهُ وقد فَصَلَتْهُ ** وبِهَا مِنْ فِصَالِهِ البُرَحَاءُ

إذ أحاطتْ به ملائكةُ اللّـ ** ـهِ فظنَّتْ بأنَّهُم قُرَنَاءُ

ورأى وَجْدَها به ومِنَ الوَجـ ** ـدِ لهيبٌ تَصْلَى بهِ الأَحْشاءُ

فَارَقَتْهُ كُرْهَاً وكان لَدَيْهَا ** ثاوِياً لا يُمَلُّ مِنْهُ الثّواءُ

شُقَّ عَنْ قَلْبِهِ وأُخْرِجَ مِنْهُ ** مُضْغَةٌ عِنْدَ غَسْلِهِ سوداءُ

خَتَمَتْهُ يُمْنَى الأَمينِ وقد أُوــــــــــدِعَ ما لم تُذَع له أَنْبَاءُ

صانَ أَسْرَارَه الخِتَامُ فلا الفَضْـ ** ـضُ مُلِمٌّ بِهِ وَلا الإِفضاءُ

أَلِفَ النُّسْكَ والعبادةَ والخَلـــــــــــوةَ طِفلاً وهكذا النُّجَبَاءُ

وإذا حَلَّتِ الْهِدَايَةُ قَلْبَاً ** نَشِطَتْ في العبادة الأَعضاءُ

بَعَثَ اللَّهُ عندَ مبعثهِ الشُّهــــــبَ حِراساً وضاقَ عنها الفضاءُ

تَطْرُدُ الجِنَّ عن مقاعدَ للسَّمْـــــــعِ كما تَطْرُدُ الذِّئابَ الرِّعاءُ

فَمَحَتْ آيةُ الكَهَانَةِ آياـــــــــتٌ مِنَ الوحْيِ ما لَهنَّ امِّحاءُ

ورأَتْهُ خديجةٌ والتُّقَى والـــــــــــزُّهْدُ فيه سجيَّةٌ والحياءُ

وأتاها أن الغمامةَ والسرــــــــــحَ أَظَلَّتْهُ منهما أفياءُ

وأحاديث أنَّ وَعْدَ رسولِ الــــــــــلّه بالبعثِ حانَ مِنْه الوفاءُ

فدَعَتْهُ إلى الزواجِ وما أَحْــــــــــسَنَ ما يبلغُ المُنَى الأَذكياءُ

وأتاهُ في بيتها جَبْرَئيلٌ ** ولِذي اللُّبِّ في الأُمورِ ارْتياءُ

فأماطت عنها الخِمَارَ لتَدْري ** أهُوَ الوحْيُ أم هو الإِغماءُ

فاختفى عند كشفِها الرأْسَ جِبْريــــــلُ فما عادَ أو أُعيدَ الغِطاءُ

فاستبانَتْ خديجةٌ أنَّه الكنْـــــــــــزُ الذي حَاوَلَتْهُ والكِيميَاءُ

ثم قام النبيُّ يدعو إلى اللَّـــــــهِ وفي الكُفرِ نَجْدَةٌ وإباءُ

أُمَمَاً أُشرِبَتُ قلوبُهُم الكُفــــــــــرَ فَدَاءُ الضَّلالِ فيهم عَيَاءُ

ورأينا آياتِه فاهتدَيْنَا ** وإذا الحقُّ جاء زالَ المِراءُ

رَبِّ إِنَّ الهُدى هُداك وَآياــــــــتُكَ نورٌ تَهْدِي بها من تشاءُ

كم رأَيْنَا ما ليس يَعْقِلُ قد أُلْــــــهم ما ليْس يُلْهَمُ العُقلاءُ

إذ أبى الفيلُ ما أتى صاحبُ الفيــــــــلِ ولم ينفعِ الحِجا والذكاءُ

والجماداتُ أفصحت بالذي أُخــــــــرِسَ عنه لأَحمدَ الفُصحاءُ

ويْحَ قومٍ جَفَوا نَبِيَّاً بأرضٍ ** أَلِفَتْهُ ضِبَابُها والظِّبَاءُ

وَسَلَوْهُ وَحَنَّ جِذعٌ إِليه ** وَقَلَوْهُ وَوَدَّهٌ الغُرَباءُ

أخرَجوه منها وآوَاهُ غارٌ ** وَحَمَتْهُ حَمامَةٌ وَرقاءُ

وَكَفَتْهُ بِنَسْجِها عنكبوتٌ ** ما كَفَتْهُ الحمامةُ الحَصْداءُ

وَاختفى منهمُ على قُرْبٍ مَرْآــــــــهُ ومن شِدَّةِ الظهورِ الخَفَاءُ

وَنَحا المصطفى المدينةَ وَاشتاــــــقتْ إليه من مكةَ الأَنحاءُ

وَتغنّتْ بِمَدْحِهِ الْجِنُّ حتَّى ** أطرَبَ الإِنسَ منه ذاك الغِناءُ

وَاقتفى إثْرَهُ سُراقَةُ فاستَهْـــــــوَتهُ في الأَرْضِ صافنٌ جَرْداءُ

ثم ناداهُ بعدَما سِيمَتِ الخَســـــفَ العُلا وَقَد يُنْجِدُ الغريقَ النِّداءُ

فطوى الأَرضَ سائرا وَالسمواـــــــتِ العُلا فوقَها له إِسراءُ

فصِفِ الليلةَ التي كان للمُخــــــتارِ فيها على البُراقِ استواءُ

وترقى به إلى قابِ قَوْسَيْــــــنِ وَتِلكَ السيادةُ القَعْساءُ

رُتَبٌ تَسْقُط الأَمانيُّ حَسْرَى ** دونَها ما وراءهن وَرَاءُ

ثم وافَى يحدِّثُ الناسَ شُكْرَاً ** إذْ أتَتْهُ مِنْ ربِّهِ النَّعْماءُ

وتَحَدَّى فارتابَ كلُّ مُريبٍ ** أَوَ يَبْقَى مع السُّيُولِ الغُثاءُ

وَهْوَ يدعو إلى الإِلهِ وَإن شقـــــــقَ عليه كفرٌ به وَازدِراءُ

وَيَدُلُّ الورَى على اللَّهِ بالتَّوْــــــــحيدِ وَهْوَ المَحَجَّةُ البَيْضاءُ

فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللَّهِ لانَتْ ** صَخْرةٌ مِنْ إبائِهم صَمَّاءُ

وَاستجابَتْ له بنصرٍ وَفَتْحٍ ** بعد ذاكَ الخضراء والغبراءُ

وَأَطاعَتْ لأَمْرِهِ العَرَبُ العَرْـــــــباءُ وَالْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ

وَتَوالَتْ للمصطفى الآيةُ الكبْــــــرَى عليهمْ وَالغارةُ الشَّعْواءُ

فإذا ما تلا كتابا من اللَّــــــــهِ تَلَتْهُ كَتِيبَةٌ خضراءُ

وَكفاهُ المستهزئينَ وَكم ساــــــــــــءَ نبِيَّاً من قومِه استهزاءُ

وَرَماهم بِدَعْوَةٍ من فِناءِ الــــــــــــبَيتِ فيهَا للظالمين فَنَاءُ

خمسةٌ كُلُّهم أُصيبوا بداءٍ ** والرَّدَى من جنودِهِ الأَدوَاءُ

فدَهَى الأَسودَ بنَ مُطَّلِبٍ أَيــــــــيُ عمىً مَيِّتٌ به الأَحياءُ

وَدَهَى الأَسودَ بنَ عبدِ يغوثٍ ** أنْ سَقَاهُ كأسَ الرَّدَى اسْتِسْقَاءُ

وأَصابَ الوليدَ خَدْشَةُ سَهْمٍ ** قَصَّرَتْ عنها الْحَيَّةُ الرَّقْطاءُ

وَقَضَتْ شَوْكَةٌ على مَهْجَةِ العاـــــــصِي فللّهِ النَّقْمَة الشَّوْكاءُ

وَعَلا الحارثَ القُيُوحُ وَقد ساـــــــلَ بِها رأسُه وَساء الوِعاءُ

خمسةٌ طُهِّرَتْ بِقَطْعِهِم الأَرـــــــــضُ فَكَفُّ الأَذى بهم شَلَّاءُ

فُدِيَتْ خمسةُ الصَّحيفةِ بالخَمــــــــسةِ إن كان بالكرام فِدَاءُ

فِتْيَةٌ بَيَّتُوا على فِعلِ خَيْرٍ ** حَمِد الصبحُ أمرَهم وَالمَساءُ

يَا لأَمر أَتاهُ بعدَ هِشامٍ ** زَمْعَةٌ إنه الفتَى الأَتَّاءُ

وَزُهَيْرٌ وَالْمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ ** وَأبو البَخْتَرِيِّ مِنْ حيث شاؤوا

نَقَضُوا مُبْرَمَ الصَّحيفةِ إذ شدــــــــدَتْ عليهم من العِدا الأَنداءُ

أذْكَرَتْنَا بِأَكْلِهَا أكلَ مِنْسَاــــــةِ سُلَيْمانَ الأَرْضَةُ الخَرساءُ

وَبهَا أخبَر النبيُّ وكم أخـــــــرَجَ خَبْئاً له الغُيُوبُ خِبَاءُ

لا تَخَلْ جانِبَ النبيِّ مُضَاماً ** حينَ مَسَّتْهُ منهمُ الأَسْواءُ

كلُّ أمرٍ نَابَ النبيِّينَ فالشدــــــــدَةُ فيه محمودةٌ وَالرّخاءُ

لو يَمسُّ النُّضَارَ هُونٌ مِنَ الناـــــــــرِ لما اختيرَ للنُّضَارِ الصِّلاءُ

كم يَدٍ عن نَبِيِّهِ كَفَّهَا اللّــــــــــهُ وَفي الخَلْقِ كَثْرَةٌ وَاجتراءُ

إذ دعا وَحْدَهُ العبادَ وَأَمْسَتْ ** مِنه في كلِّ مُقلَةٍ أَقْذاءُ

هَمَّ قومٌ بِقَتْلِهِ فأَبى السَّيْــــــــفُ وَفاءً وَفاءتِ الصَّفْواءُ

وَأبو جهلٍ إذ رأى عُنُقَ الفحــــــلِ إليه كأنه العنقَاءُ

وَاقتضَاهُ النبيُّ دَيْنُ الإِراشيــــــــيِ وَقد سَاء بيعُهُ وَالشِّرَاءُ

وَرأى المُصطفَى أَتَاهُ بما لَمْ ** يُنْجِ منه دونَ الوفاء النَّجَاءُ

هوَ ما قد رآهُ مِن قبلُ لكنْ ** ما عَلَى مِثْلِهِ يُعَدُّ الخَطَاءُ

وَأَعَدَّتْ حَمَّالَةُ الحَطَبِ الفِهــــــــرَ وَجَاءَتْ كأَنها الوَرْقاءُ

يومَ جاءَت غَضْبَى تقولُ أفي مِثــــــلِيَ مِنْ أحمدٍ يُقالُ الهِجَاءُ

وَتَولَّتْ وَمَا رأته وَمِنْ أَيْـــــــــنَ تَرَى الشمسَ مُقْلَةٌ عمياءُ

ثم سَمّتْ له اليهوديَّةُ الشَاــــــــــةَ وَكم سَامَ الشِّقْوَةَ الأَشقِيَاءُ

فأَذاعَ الذِّراعُ مَا فيه مَن شرــــــــــرٍ بِنُطْقٍ إخفاؤُهُ إبداءُ

وَبِخُلقٍ مِنَ النبيِّ كريمٍ ** لَمْ تُقَاصَصْ بِجرحهَا العَجْماءُ

مَنَّ فَضْلاً عَلَى هَوَازِنَ إذْ كاــــــــنَ له قبلَ ذَاكَ فيهِمِ رِبَاءُ

وَأتى السَّبيُ فيه أُختُ رَضَاعٍ ** وَضَعَ الكُفْرُ قَدْرَهَا وَالسِّبَاءُ

فَحَبَاهَا بِرّاً تَوَهَّمَتِ النَّاــــــــسُ به أنَّما السِّبَاء هِداءُ

بَسَطَ المصطفى لها مِن رِداءٍ ** أيُّ فضل حَوَاهُ ذاكَ الرِّداءُ

فَغَدَتْ فيه وَهْيَ سيِّدةُ النِّسْـــــــــوَةِ وَالسيِّدَاتُ فيه إمَاءُ

فتَنَزَّهْ في ذاتِه وَمَعَانيهِ ** استماعاً إنْ عَزَّ مِنهَا اجتِلاءُ

وَاملأ السّمْعَ مِن محَاسِنَ يُمْلِيــــــــهَا عليك الإنشَادُ وَالإِنْشَاءُ

كلُّ وَصْفٍ له ابْتَدَأتَ به استَوْــــــــعَبَ أخبَارَ الفضلِ مِنه ابتداءُ

سَيِّدٌ ضِحْكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَشــــــــــيُ الهَوَيْنَا وَنَومُهُ الإِغفاءُ

مَا سِوَى خُلْقِهِ النسيمُ وَلا غَيْــــــــــرَ مُحَيَّاهُ الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ

رحمةٌ كلُّهُ وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ ** وَوَقَارٌ وَعِصْمَةٌ وَحَيَاءُ

لا تَحُلُّ البأْسَاء مِنه عُرَا الصَّبْـــــــرِ وَلا تَسْتَخِفُّهُ السَّرَّاءُ

كَرُمَتْ نَفْسُهُ فما يخْطُرُ السُّوـــــــــء عَلَى قَلْبِهِ وَلا الفحشَاءُ

عَظُمَتْ نِعْمَةُ الإِله عليه ** فاستَقَلَّتْ لِذِكْرِهِ العُظَمَاءُ

جَهِلَتْ قومُهُ عليه فأَغْضَىـــــــوَأخو الحِلْم دَأبُهُ الإِغْضَاءُ

وَسِعَ العَالَمِين عِلْمَاً وَحِلْمَاً ** فهْوَ بحرٌ لم تُعْيِهِ الأَعبَاءُ

مُسْتَقِلٌّ دُنْيَاكَ أن يُنْسَبَ الإِمـــــــــساكُ منها إليه والإِعطاءُ

شمسُ فضلٍ تَحَقَّقَ الظنُّ فيه ** أنَّهُ الشَّمْسُ رِفْعَةً والضِّياءُ

فإذا ما ضحا محا نورُه الظِّلـــــلَ وقد أثْبَتَ الظِّلالَ الضَّحَاءُ

فكأنَّ الغمامةَ استَوْدَعَتْهُ ** مَنْ أظَلَّتْ مَنْ ظِلِّهِ الدُّفَفَاءُ

خَفِيَتْ عِنْدَهُ الفضائلُ وانجاــــــــبَتْ به عن عقولِنَا الأهواءُ

أمَعَ الصُّبحِ للنجومِ تَجَلٍّ ** أمْ مع الشمسِ للظلامِ بَقاءُ

مُعجزُ القَوْلِ والفِعَالِ كريمُ الــــــــــخلقِ وَالخُلْقِ مُقْسِطٌ مِعْطاءُ

لا تَقِسْ بالنبيِّ في الفضل خَلْقَاً ** فهو البحر والأنامُ إضاءُ

كلُّ فضْلٍ في العالَمين فَمِنْ فَضْــــــــــلِ النبيِّ استعارَهُ الفُضَلاءُ

شُقَّ عَنْ صَدْرِهِ وشُقَّ لَهُ البَدْـــــــــــرُ وَمِنْ شَرْطِ كلِّ شَرْطٍ جَزاءُ

ورَمَى بالحَصَى فأَقْصَدَ جَيشاً ** ما العَصَا عِنْدَه وَمَا الإِلقاءُ

ودعا للأنامِ إذ دَهَمَتْهُم ** سَنَةٌ مِنْ مُحولِها شَهْباءُ

فاسْتَهَلّتْ بالغَيْثِ سَبْعَةَ أَيَّاــــــــــمٍ عليهم سحابةٌ وَطْفاءُ

تَتَحَرّى مَواضِعَ الرَّعْيِ وَالسَّقْـــــــــيِ وحيث العِطاشُ تُوهَى السِّقاءُ

وأتى الناسُ يَشْتَكُونَ أذاها ** وَرَخَاءٌ يُؤْذِي الأنام غلاءُ

فدعا فانجلى الغمام فقلت في ** وصف غيث إِقْلاعَه استسقاءُ

ثم أَثْرى الثَّرَى فقرَّتْ عُيونٌ ** بقُراهَا وَأُحْيِيَتْ أَحْيَاءُ

فترى الأرضَ غِبَّهُ كسماءٍ ** أشْرَقَتْ مِنْ نُجومِهَا الظَّلْمَاءُ

تُخْجِلُ الدُّرَّ واليواقيتَ من نَوْــــــــرِ رُباها البَيْضَاءُ والحَمراءُ

لَيْتَهُ خَصَّنِي بِرُؤْيَةِ وَجْهٍ ** زَالَ عن كلِّ من رآه الشّقاءُ

مُسْفِرٌ يَلْتَقِي الكَتِيبَةَ بَسَّاـــــــماً إذا أسْهَمَ الوُجُوهَ اللِّقاءُ

جُعِلَتْ مَسْجِدَاً له الأرضُ فاهْتزــــــــزَ بهِ للصلاةِ فيها حِرَاءُ

مُظْهِرٍ شَجّةَ الْجَبِينِ عَلَى البُرْـــــــــــءِ كما أَظهرَ الهلالَ البَرَاءُ

سُتِرَ الحُسْنُ منه بالحسنِ فاعجَبْ ** لِجَمِالٍ له الْجَمالُ وِقاءُ

فهْوَ كالزّهْرِ لاحَ من سَجَفِ الأكـــــــــمام والعودِ شُقَّ عنه اللّحاءُ

كَادَ أَنْ يُغشِيَ العُيونَ سناً مِنْــــــــــــهُ لِسِرٍّ فيه حَكَتْهُ ذُكاءُ

صانَهُ الحُسْنُ وَالسّكِينَةُ أَنْ تُظـــــــــهِرَ فيه آثارها البأساءُ

وتَخَالُ الوجوهَ إنْ قابَلَتْه ** أَلْبَسَتْهَا ألوانَهَا الحِرْبَاءُ

فإذا شِمْتَ بِشْرَهُ وَنَدَاهُ ** أذْهَلَتْكَ الأنوارُ والأنواءُ

أَوْ بتقبيلِ راحةٍ كانَ للّـــــــهِ وباللَّه أخذها والعطاءُ

تَتَّقِي بأْسَها الملوكُ وَتحْظَى ** بالغِنَى من نَوَالِهَا الفُقَراءُ

لا تَسَلْ سَيْلَ جُودِها إنما يَكـــــــــــفِيك مِنْ وكْفِ سُحْبها الأنداءُ

دَرَّتِ الشاةُ حينَ مرَّتْ عَلَيها ** فلها ثَرْوَةٌ بها وَنَماءُ

نَبَعَ الماءُ أَثْمَرَ النخلُ في عاـــــــــمٍ بها سَبَّحَتْ بها الحصباءُ

أحْيَتِ المُرْمِلِينَ مِنْ مِوْتِ جَهْدٍ ** أَعْوَزَ القَوْمَ فيه زادٌ وماءُ

فتغَدَّى بالصَّاعِ أَلْفٌ جِياعٌ ** وتَرَوَّى بالصَّاعِ ألفٌ ظِمَاءُ

وَوَفَى قدرُ بَيْضَةٍ مِنْ نُضَارٍ ** دَيْنَ سَلْمَانَ حِينَ حانَ الوفاءُ

كانَ يُدْعَى قِنّاً فأُعْتِقَ لَمَّا ** أيْنَعَتْ مِنْ نَخيلِه الأَقْنَاءُ

أفلا تَعْذُرُونَ سَلْمَانَ لَمَّا ** أَنْ عَرَتْهُ مِنْ ذِكْرِهِ العُروَاءُ

وَأَزالَت بِلَمْسِهَا كلَّ دَاءٍ ** أكْبَرَتْهُ أطِبَّةٌ وَإِسَاءُ

وعُيُونٌ مَرَّتْ بها وَهْي رُمْدٌ ** فأَرَتْهَا مَا لَمْ تَرَ الزَّرْقَاءُ

وأَعادَتْ عَلَى قَتَادَةَ عَيْنَاً ** فَهْيَ حتى مماتِه النَّجْلاءُ

أَوْ بِلَثْمِ التُّرَابِ مِنْ قَدَمٍ لاـــــــــنَتْ حَياءً من مَشْيِهَا الصَّفْواءُ

مَوْطِئُ الأخمَصِ الَّذِي منه للقلــــــــــلبِ إذا مَضْجَعي أَقَضَّ وِطاءُ

حَظيَ المسجدُ الحرامُ بمَمْشاــــــــــها ولم يَنْس حَظه إِيلِيَاءُ

وَرَمَتْ إذْ رَمَى بها ظُلَمَ اللَّيــــــــــلِ إلى اللَّه خوفُه والرَّجاءُ

دَمِيَتْ في الوَغَى لِتَكْسِبَ طِيباً ** ما أراقتْ من الدَّمِ الشُّهداءُ

فَهْيَ قُطْبُ المحرابِ وَالْحَرْبِ كم داـــــــــــرت عليها في طاعة أَرحاءُ

وَأُرَاهُ لو لم يُسَكِّنْ بها قبـــــــــــــلُ حِراءً ماجَتْ بِهِ الدَّأْمَاءُ

عَجَباً للكُفّارِ زادوا ضلالاً ** بالّذي فيه للعقول اهتداءُ

والذي يسألون منه كتابٌ ** مُنْزَلٌ قد أتاهم وارتقاءُ

أَوَ لم يَكْفِهِمْ من اللَّهِ ذِكْرٌ ** فيه للناس رحمةٌ وشفاءُ

أَعجزَ الإِنسَ آيةٌ منه والجنـــــــــنَ فَهَلَّا يأتي بها البُلَغاءُ

كلّ يومٍ تُهدَى إلى سامِعِيهِ ** مُعجِزاتٍ من لفظِه القُرَّاءُ

تَتَحَلَّى به المسامِعُ والأفْـــــــــــــواهُ فَهْو الحُلِيُّ وَالحَلْوَاءُ

رَقَّ لَفْظاً وراق معنىً فجاءَتْ ** في حُلاها وحَلْيِها الخَنْسَاءُ

وأرَتْنَا فيه غوامضَ فضلٍ ** رِقَّةٌ مِنْ زُلالِهَا وَصَفاءُ

إنما تُجْتَلَى الوُجُوهُ إذَا ما ** جُلِيَتْ عِنْ مِرْآتِهَا الأصْداءُ

سُوَرٌ منه أشْبَهَتْ صُوَراً مِنـــــــــنَا ومِثْلُ النَّظَائِر النُّظَراءُ

والأقاويل عندَهمْ كالتماثيـــــــــــلِ فلا يُوهِمَنَّكَ الخطباءُ

كم أبانَتْ آياتُهُ من علومٍ ** عَنْ حُروفٍ أبانَ عنها الهجاءُ

فهْي كالحَبِّ والنَّوَى أعجبَ الزُّرـــــــــراعَ منهُ سنابلٌ وَزَكاءُ

فأطالوا فيه التردُّدَ وَالرَّيــــــــــبَ فقالوا سِحْرٌ وقالوا افتراءُ

وإذا البيِّنَاتُ لَمْ تُغْنِ شيئاً ** فَالتماسُ الهُدَى بِهِنَّ عَناءُ

وإذا ضلَّتِ العُقول على عِلْـــــــــمٍ فماذا تقوله الفُّصَحاءُ

قومَ عيسى عاملْتم قومَ موسى ** بالذي عامَلَتْكُم الحُنفاءُ

صَدَّقوا كُتْبَكُمُ وكذَبْتُمْ ** كُتبَهُمُ إنّ ذا لَبِئْسَ البَواءُ

لو جحدنا جُحُودَكم لاستويْنَا ** أوَ للحقِّ بالضَّلالِ استواءُ

مَا لَكُم إِخْوَةَ الكِتابِ أُناساً ** ليس يُرْعَى للحقِّ منكم إخاءُ

يَحْسُدُ الأولُ الأخيرَ وما زاـــــــلَ كذا المُحْدَثُونَ وَالقُدَمَاءُ

قد عَلِمْتُم بِظلمِ قابيل هابيــــــــــلَ ومظلومُ الإِخْوَةِ الأَتْقِيَاءُ

وسمِعْتم بكَيْدِ أَبناءِ يعقوــــــــــبَ أَخَاهم وكلُّهم صُلَحَاءُ

حِينَ أَلْقَوْهُ في غَيابَةِ جُبٍّ ** وَرَمَوْهُ بالإفْكِ وَهْوَ بَراءُ

فتأَسَّوْا بِمَن مَضَى إذْ ظَلَمتمْ ** فالتَّأَسِّي لِلنَّفْسِ فيه عَزَاءُ

أتُرَاكُم وَفَّيْتُم حينَ خَانُوا ** أم تُرَاكُمْ أَحْسَنْتُمُ إذْ أساؤُوا

بَلْ تَمَادَتْ عَلَى التَّجَاهُلِ آبَاـــــــــءٌ تَقَفَّتْ آثَارِهَا الأَبناءُ

بَيَّنَتْهُ تَوْراتُهُمْ وَالأَناجِيـــــــــلُ وَهم في جُحُودِهِ شُرَكاءُ

إنْ تقولوا ما بَيَّنَتْهُ فما زَاــــــــلَتْ بها عن عيونهم غشوَاءُ

أو تقولوا قد بَيَّنَتْهُ فما لِلْـــــــــــأُذْنِ عما تقوله صَمَّاءُ

عَرَفُوهُ وَأنْكَرَوهُ وَظُلمَاً ** كَتَمَتْهُ الشَّهَادَةَ الشُّهَدَاءُ

أوَ نُورُ الإِلهِ تُطْفِئُهُ الأَفْـــــــــــواهُ وَهْوَ الذي به يُسْتَضاءُ

أوَلا يُنْكِرُونَ مَن طَحَنَتْهُم ** بِرَحاها عِنْ أمْرِهِ الْهَيجاءُ

وَكَساهم ثَوْبَ الصَّغارِ وقدْ ** طُلَّتْ دِماً منهم وصِينَتْ دِمَاءُ

كيف يَهدِي الإِله منهم قلوباً ** حَشْوُها من حَبِيبِهِ الْبَغْضاءُ

خَبِّرونَا أهلَ الكِتَابَيْنِ من أَيْــــــنَ أَتَاكُم تَثْليثكم والبَداءُ

مَا أتى بالعقِيدَتَيْنِ كتابٌ ** واعتقادٌ لا نَصَّ فيه ادِّعاءُ

والدَّعاوَى ما لم تُقيموا عليها ** بَيِّنَاتٍ أبناؤُها أَدْعِياءُ

ليت شعري ذِكرُ الثلاثةِ وَالواــــــــحِدِ نَقْصٌ في عَدِّكم أمْ نَماءُ

كيف وَحَّدْتُم إِلهاً نَفَى التَّوــــــــــحِيدَ عنه الآباءُ والأَبناءُ

أإِلهٌ مُرَكَّبٌ ما سَمِعْنَا ** بإِلهٍ لذاتِهِ أَجْزَاءُ

أَلِكُلٍّ منهم نَصِيبٌ مِنَ المُلــــــــــكِ فَهَلَّا تَمَيَّزُ الأَنْصِبَاءُ

أم هُمُ حَلّلوُا بها شِرْكَةَ الأبـــــــــــدَانِ أمْ هُمْ لبعضِهم كُفَلاءُ

أتراهم لحاجةٍ واضطرارٍ ** خَلَطُوهَا ومَا بَغَى الخُلَطَاءُ

أهُوَ الرَّاكِبُ الحمارَ فيا عَجْـــــــــــزَ إِلهٍ يَمَسُّهُ الإِعْيَاءُ

أمْ جميعٌ عَلَى الحمار لقد جَلــــــــــلَ حِمَارٌ بِجَمْعِهِم مَشَّاءُ

أم سِواهم هُو الإِلهُ فما نِسْــــــــــــبَةُ عيسى إليه والإِنْتِمَاءُ

أم أردتُم بها الصفاتِ فلمْ خُصــــــــــــصَتْ ثُلاثٌ بِوصفِه وَثُناءُ

أم هُو ابنٌ للَّه ما شاركتْهُ ** في معاني النُّبُوَّةِ الأَنبياءُ

قتلَتْهُ اليهودُ فيما زَعَمْتُم ** وَلأَمْواتِكم به إحياءُ

إنَّ قَوْلاً أَطْلَقْتُمُوهُ عَلَى اللّــــــــــهِ تعالى ذِكْرا لقَوْلٌ هُراءُ

مِثْلَ مَا قَالَت اليهودُ وكلٌّ ** لَزِمَتْهُ مقالَةٌ شَنعاءُ

إذْ همُ اسْتَقْرَؤُوا البَداءَ وكم ساـــــــــقَ وَبَالاً إِليهم اسْتِقْرَاءُ

وَأَرَاهم لم يجعلُوا الواحِدَ القَهْــــــــــهَارَ في الخَلْقِ فاعلاً ما يشاءُ

جَوَّزُوا النَّسْخَ مِثْلَما جوَّزُوا المســـــــــــخَ عَلَيْهِم لو أنهم فُقهاءُ

هُوَ إِلَّا أَن يُرْفَعَ الحكمُ بالحكـــــــــــمِ وخَلْقٌ فيه وأمرٌ سَواءُ

ولحُكمٍ مِنَ الزَّمانِ انتهاءٌ ** ولحُكمٍ مِنَ الزَّمانِ ابتداءُ

فَسَلُوهم أكان في مسخِهِم نَسْــــــــــخٌ لآياتِ اللَّهِ أمْ إنْشاءُ

وَبَدَاءٌ في قَوْلِهمْ نَدِمَ اللّــــــــــهُ عَلَى خَلْقِ آدمٍ أمْ خَطاءُ

أم مَحَا اللَّهُ آية الليل ذكراً ** بعدَ سَهْوٍ ليوجَدَ الإِمْساءُ

أم بدا للإِلهِ في ذَبْحِ إِسْحَاــــــــقَ وقدْ كانَ الأمرُ فيه مَضاءُ

أوَ ما حَرَّمَ الإِلهُ نِكَاحَ الـــــــــــأُختِ بعدَ التحليلِ فَهْوَ الزِّناءُ

لا تُكَذِّبْ إنَّ اليَهُودَ وقد زاــــــــــغُوا عن الحقِّ مَعْشَرٌ لُؤَماءُ

جَحَدُوا المصطفى وآمن بالطاـــــــــغُوتِ قومٌ همْ عندهمْ شُرَفاءُ

قتَلوا الأَنبياءَ وَاتَّخَذُوا العِجــــــــــــلَ أَلَا إنَّهُم هُمُ السُّفَهاءُ

وسَفيهٌ من ساءَه المنُّ والسَّلْـــــــــــــوَى وأَرضاهُ الفُومُ وَالقِثَّاءُ

مُلِئَتْ بالخبيثِ منهم بُطُونٌ ** فَهْيَ نَارٌ طِباقُها الأمعاءُ

لو أُرِيدُوا في حال سَبْتٍ بخيرٍ ** كان سَبْتَاً لديهمُ الأَربِعاءُ

هُوَ يومٌ مُبارَكٌ قيلَ للتصــــــــــريفِ فيه من اليهود اعتداءُ

فَبِظُلْمٍ منهمُ وكفْرٍ عَدَتْهُم ** طَيِّبَاتٌ في تَرْكِهنَّ ابْتِلاءُ

خُدِعوا بالمنافقين وهل يَنْــــــــــفُقُ إلَّا على السفيهِ الشَّقاءُ

واطمأنوا بقَوْلِ الَاحزاب إِخواــــــــــنِهِمُ إِننا لكم أولياءُ

حالَفوهم وخالفوهم ولمْ أَدْــــــــــــرِ لِماذا تخالَفَ الحُلفاءُ

أسلَمُوهم لأَوَّلِ الحَشْرِ لا مِيـــــــــــعادُهم صادقٌ ولا الإِيلاءُ

سكَنَ الرُّعْبُ والخَرابُ قلوباً ** وبُيُوتاً منهمُ نعاها الجَلاءُ

وَبِيَوْمِ الأحزابِ إِذْ زاغتِ الأَبـــــــــــصَارُ فيهم وضلتِ الآراءُ

وتَعَدَّوْا إلى النبيّ حدوداً ** كان فيها عليهم العُدَوَاءُ

وَنَهَتْهُم وما انتهتْ عنه قومٌ ** فأُبيدَ الأَمَّارُ والنَّهاءُ

وتعاطَوْا في أحمدٍ مُنْكَرَ القَوْــــــــــــلِ وَنُطقُ الأَراذِلِ العَوْراءُ

كلُّ رِجْسٍ يَزِيدُه الخُلُقُ السُّوـــــــــــءُ سِفاهاً والمِلَّةُ العَوْجاءُ

فانظروا كيف كان عاقبة القوْـــــــــــمِ وَما ساق لِلْبَذِيِّ البَذَاءُ

وجَد السَّبَّ فيه سُمَّاً وَلم يَدْــــــــــــــرِ إِذْ المِيمُ في مواضِعَ بَاءُ

كانَ مِن فيه قتلُه بِيَدَيْهِ ** فهو في سوء فِعله الزَّبَّاءُ

أوْ هُوَ النحلُ قَرْصُهَا يَجْلُبُ الحَتــــــــــفَ إليها وما له إنْكَاءُ

صَرَعَتْ قومَهُ حبائِلُ بَغْيٍ ** مَدَّها المكرُ منهم والدَّهاءُ

فأتتهم خيلٌ إلى الحرب تختاــــــــلُ وللخيْلِ في الوغَى خُيَلاءُ

قَصَدَتْ فيهم القنا فقَوافِي الـــــــــــطعْنِ منها ما شأنها الإيطاءُ

وأثَارَتْ بأرضِ مكةَ نَقْعَاً ** ظُنَّ أن الغُدُوَّ منها عِشاءُ

أحْجَمَتْ عندهُ الحجُون وأكْدَى ** عِنْد إعطائه القليلَ كَدَاءُ

وَدَهَتْ أَوْجُهاً بها وبيوتاً ** مُلّ منها الإكفاءُ والإقواءُ

فَدَعَوْا أحْلَمَ البريَّةِ والعفْــــــــــــوُ جوابُ الحليمِ والإغْضاءُ

ناشدوه القُرْبَى التي من قُرَيْشٍ ** قطعَتْهَا التِّراتُ والشَّحْناءُ

فعَفا عَفْوَ قَادرٍ لم يُنَغِّصْــــــــــهُ عليهم بما مضى إغراءُ

وإذا كان القطْع وَالوصلُ للّــــــــهِ تَسَاوَى التَّقْرِيبُ وَالإِقْصاءُ

وسواءٌ عليه فيما أتاهُ ** مِنْ سِواهُ المَلامُ وَالإطْراءُ

وَلَو انَّ انتقامَهُ لِهَوَى النَّفــــــــــــسِ لَدَامَتْ قطيعةٌ وَجَفَاءُ

قام للَّه في الأُمورِ فأَرْضَى الـــــــــــــلّهَ منه تَبايُنٌ وَوَفاءُ

فِعْلُهُ كلُّهُ جَمِيلٌ وَهل يَنْـــــــــــــــصَحُ إلّا بمَا حَوَاهُ الإناءُ

أطْربَ السامعينَ ذِكْرُ عُلاهُ ** يا لَرَاحٍ مَالَتْ بهَا النُّدَماءُ

النبيُّ الأميُّ أعلمُ مَنْ أســـــــــــــنَدَ عنه الرُّوَاةُ وَالحكَماءُ

وَعَدَتْنِي ازْدِيَارَهُ العامَ وَجْناــــــــــءٌ وَمَنَّتْ بِوَعْدِها الوجْناءُ

أفلا أنْطَوِي لها في اقْتضائِيـــــــــــه لِتُطْوَى ما بَيْنَنا الأَفْلاءُ

بألُوفِ البَطْحاءِ يُجْفِلُهَا النِّيـــــــــــلُ وقد شَفَّ جَوْفَهَا الإِظْماءُ

أنْكَرَتْ مِصْرَ فَهيَ تَنْفِرُ ما لاـــــــحَ بِنَاءٌ لِعَيْنِهَا أوْ خَلاءُ

فأَقَضّتْ عَلَى مبَارِكها بِرْــــــــــــــــكَتهَا فالبُّوَيْبُ فالخَضْراءُ

فالقِبَابُ التي تَلِيها فبِئْرُ الــــــــــــنخْلِ وَالرَّكْبُ قائِلُونَ رِوَاءُ

وَغَدَتْ أَيْلَةُ وَحِقْلٌ وَقُرٌّ ** خَلْفَها فَالمَغَارَةُ الفَيْحَاءُ

فعيونُ الأَقْصَابِ يَتبعُها النَّبـــــــــــكُ وَيتْلو كُفَافَةَ العَوْجاءُ

حاوَرَتْهَا الحوراءُ شَوْقاً فينبوـــــــــــعٌ فَرَقَّ اليَنْبُوعُ وَالْحَوْراءُ

لاحَ بالدَّهْنَوَيْنِ بَدْرٌ لها بَعــــــــــــدَ حُنَيْنٍ وَحَنَّتِ الصَّفْرَاءُ

ونَضَتْ بَزْوَةٌ فرابغُ فالجُحْـــــــــفَةُ عنها ما حاكه الإِنضاءُ

وأرَتْهَا الخَلاصَ بئْرُ عَليٍّ ** فَعِقَابُ السَّوِيقِ فالخَلصاءُ

فهْيَ من ماء بئْرِ عُسفَانَ أو مِنْ ** بَطْنِ مَرٍّ ظمآنةٌ خَمْصَاءُ

قَرَّبَ الزَّاهِرَ المساجِدُ منها ** بخُطاها فالبُطءُ منها وَحاءُ

هذه عِدَّةُ المنازلِ لا ما ** عدَّ فيه السّماكُ وَالعَوَّاءُ

فكأَني بها أُرَحِّلُ منْ مَكْـــــــــــكَةَ شمساً سماؤُها البَيْداءُ

مَوْضِعُ البَيْتِ مَهْبِطُ الوَحْي مأْوى الــــــــــرسلِ حيثُ الأنوارُ حيثُ البَهاءُ

حيثُ فرضُ الطَّوَافِ والسَّعْيُ وَالحلــــــــــــقُ وَرَمْيُ الجِمار وَالإِهداءُ

حَبَّذا حَبَّذَا معاهِدُ منها ** لمْ يُغَيِّرْ آياتِهِنَّ البِلاءُ

حَرَمٌ آمِن وَبَيْتٌ حَرامٌ ** وَمَقَامٌ فيه المُقامُ تَلاءُ

فَقَضَيْنَا بها مَناسِكَ لا يُحْــــــــــمَدُ إلّا في فِعْلِهِنَّ القضاءُ

وَرَمَيْنَا بها الفِجَاجَ إلَى طَيْـــــــــــــــبَةَ والسَّيْرُ بالمطايا رِماءُ

فأصَبْنا عَنْ قَوْسِها غَرضَ القُرــــــــــبِ وَنِعْمَ الخَبِيئَةُ الكَوْمَاءُ

فرأينا أرضَ الحَبيبِ يَغُضُّ الـــــــــــطرفَ منها الضياءُ وَالْلأْلاءُ

فكأنَّ البَيْدَاءَ مِنْ حيثُما قاـــــــــــبَلَتِ العَينَ رَوْضَة غَنَّاءُ

وكأَنَّ البِقاعَ زَرَّتْ عليها ** طَرَفَيْها مُلاءَةٌ حَمْرَاءُ

وكأَنَّ الأَرجاء تَنشُر نَشْر الْـــــــــــمِسْكِ فيها الجَنُوبُ وَالجِرْبِياءُ

فإذا شِمتَ أو شَمِمْتَ رُبَاها ** لاحَ منها برقٌ وفاحَ كِباءُ

أيَّ نُورٍ وَأيَّ نَوْرٍ شَهِدْنا ** يَوْمَ أَبْدَت لَنا القِبَابَ قُباءُ

قَرَّ منها دَمْعِي وفَرَّ اصْطبَارِي ** فدُمُوعي سَيْلٌ وصَبْرِي جُفاءُ

فترى الرَّكْبَ طائرِينَ من الشَّوْـــــــقِ إِلى طَيْبَةٍ لَهُمْ ضَوْضاءُ

وكأَنَّ الزُّوَّارَ مَا مَسَّتِ البَأْــــــــــساءُ منهم خَلْقاً ولا الضَّرَّاءُ

كلُّ نفسٍ منها ابتهال وسؤْلٌ ** ودُعاءٌ وَرَغْبَة وَابْتِغَاءُ

وَزَفيرٌ تَظُنُّ منه صُدوراً ** صادحاتٍ يَعْتادُهُنَّ زُقاءُ

وَبُكَاءٌ يُغْرِيِهِ بالعين مَدّ ** وَنجيبٌ يَحُثُّه اسْتِعلاءُ

وجُسومٌ كَأَنَّمَا رَحَضَتْهَا ** مِنْ عظيمِ المَهَابَةِ الرُّحَضاءُ

وَوجُوهٌ كأَنَّما ألْبَسَتْها ** مِنْ حياءٍ ألوانَها الحرْباءُ

ودموعٌ كأنّما أرسلتها ** مِنْ جفونٍ سحابةٌ وطفاءُ

فَحَطَطْنا الرِّحالَ حيثُ يحَطُّ الـــــــــوِزْرُ عنّا وترفع الحوجاءُ

وَقَرَأْنا السلامَ أكْرَمَ خلق الــــــلَّه مِنْ حيثُ يُسمَعُ الإقْراءُ

وذهلنا عند اللقاء وكم أَذْـــــــهَلَ صَبَّاً من الحَبيبِ لِقاءُ

وَوَجمنَا مِنَ المَهَابَةِ حتَّى ** لا كلامٌ منا ولا إيماءُ

وَرَجَعْنا وَللقلُوبِ التفاتاـــــــتٌ إليه وللجُسوم انْثِناءُ

وَسَمحْنا بما نُحِبُّ وقد يَســــــــــمَحُ عند الضرورةِ البُخلاءُ

يا أبا القاسمِ الذي ضِمنَ إِقساــــــــمِي عليه مَدْحٌ لهُ وَثَنَاءُ

بالعلومِ التي عَليكَ مِن اللّــــــهِ بلا كاتِبٍ لها إِمْلاءُ

ومسير الصَّبا بنصْرِك شَهْراً ** فكأَنَّ الصَّبا لَدَيكَ رُخاءُ

وَعَلِيٍّ لمَّا تَفَلْتَ بِعَيْنَيْـــــــــــهِ وكلتاهما مَعاً رمْداءُ

فَغَدا ناظراً بِعَيْنَيْ عُقَابٍ ** في غَزاةٍ لها العُقَابُ لِواءُ

وَبِرَيْحانَتَيْنِ طيبُهُما مِنْـــــــــكَ الذي أودعتهُما الزَّهْراءُ

كُنْتَ تُؤْوِيهِمَا إليك كما آـــــــــــوَتْ من الخَطِّ نُقْطَتَيْهَا اليَاءُ

مِنْ شهيدَيْنِ ليس يُنْسِيَني الطَّفـــــــــفُ مُصابَيْهِما وَلا كَرْبَلاءُ

مَا رَعَى فيهما ذِمامَك مرؤوــــــــسٌ وَقد خانَ عَهْدَكَ الرُّؤساءُ

أبْدَلوا الودَّ وَالحَفيظَةَ في القُرْـــــــــبَى وَأَبدَتْ ضِبَابها النَّافِقاءُ

وَقَسَتْ منهم قلوبٌ عَلَى مَنْ ** بَكَتِ الأرضُ فقدَهم والسماءُ

فابْكِهِمْ ما اسْتَطَعْتَ إنَّ قليلاً ** في عَظيمٍ مِن المُصابِ البُكاءُ

كلَّ يوْمٍ وَكلُّ أَرْضٍ لِكَرْبي ** منهمُ كَرْبَلا وَعاشورَاءُ

آلَ بَيْتِ النبيِّ إِنَّ فُؤادِي ** ليسَ يُسْلِيهِ عَنْكم التَّأْسَاءُ

غيرَ أَنِّي فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى اللّـــــهِ وَتَفْوِيضِيَ الأُمورَ بَراءُ

رُبَّ يومٍ بِكَربَلاءَ مُسيئٍ ** خَفَّفَتْ بعض وِزْرِهِ الزَّوْراءُ

وَالأَعادِي كَأَنَّ كلَّ طَرِيحٍ ** منهمُ الزَّقُّ حُلَّ عَنْه الوِكاءُ

آلَ بيتِ النبيِّ طبتُم فطابَ الْـــــــــــمَدْحُ لِي فيكُمُ وَطابَ الرّثاءُ

أنا حَسَّانُ مَدْحِكم فإذَا نُحْــــــــــتُ عليكمْ فإنَّنِي الخنساءُ

سُدْتُمُ النّاسَ بالتُّقَى وَسِواكم ** سَوَّدَتْهُ البَيْضاءُ والصَّفْراءُ

وَبِأصحابك الذين همُ بَعْـــــــــدَكَ فينا الهُداةُ وَالأوْصِياءُ

أَحْسَنُوا بعدكَ الخِلافَةَ فِي الدِّيــــــــــنِ وَكلٌّ لِما تَوَلَّى إزَاءُ

أَغْنياءٌ نزاهَةً فُقَرَاءُ ** عُلَمَاءٌ أَئمَّةٌ أُمَرَاءُ

زَهِدُوا في الدُّنَا فما عُرِفَ المَيـــــــلُ إلَيْهَا منهم وَلا الرَّغْبَاءُ

أَرْخَصُوا في الوغَى نُفُوسَ مُلُوكٍ ** حارَبُوها أسلابُها إغْلاءُ

كلُّهُمْ في أحكامه ذو اجتهادٍ ** وَصَوابٍ وَكُلُّهمْ أَكفاءُ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ وَرَضُوا عَنْــــــــــهُ فأنَّى يَخطو إليهم خَطَاءُ

جاء قَوْمٌ مِنْ بَعْدِ قَوْمٍ بحَقٍّ ** وَعَلَى المَنْهَجِ الحَنِيفِيِّ جاؤوا

ما لموسى وَلا لعِيسى حَوارِي ** يُونَ في فَضْلِهم وَلا نُقَبَاءُ

بأَبي بَكْرٍ اِلذي صَحَّ لِلنَّاـــــــــــسِ به في حياتك الإِقتِداءُ

والمُهَدِّي يَوْمَ السَّقِيفَةِ لَمَّا ** أرْجَفَ الناسُ أنه الدَّأْدَاءُ

أَنقذَ الدِّينَ بعدَ ما كان للدــــــــــدينِ عَلَى كلِّ كُرْبَةٍ إشْفَاءُ

أَنْفَقَ المالَ في رِضَاكَ وَلا مَنــــــــــنٌ وَأَعْطَى جَمَّاً وَلا إكْداءُ

وأبي حَفْصٍ الذي أظهر اللـــــــــــهُ به الدينَ فارعَوى الرُّقباءُ

والذي تَقْرُبُ الأباعِدُ في اللـــــــــــهِ إليه وَتَبْعُدُ القُرَباءُ

عُمَر بن الخطابِ مَنْ قَوْلُهُ الفَصــــــــــلُ ومَنْ حُكْمُهُ السَّوِيُّ السّواءُ

فَرَّ منه الشيطانُ إذْ كانَ فاروـــــــــقاً فلِلنَّارِ مِنْ سَنَاهُ انْبِراءُ

وَابْن عفَّانَ ذِي الأيادي التي طاــــــــلَ إلى المصطفى بها الإِسْدَاءُ

حَفَر البِئْرَ جَهَّزَ الجَيْشَ أهْدَى الْـــــــــهَدْيَ لما أنْ صَدَّهُ الأعْداءُ

وَأبَى أنْ يَطُوفَ بالبيتِ إذْ لمْ ** يَدْنُ منه إلى النبيِّ فِناءُ

فَجَزَتْهُ عنها بِبِيعَةِ رِضْواـــــــــــنٍ يَدٌ مِنْ نَبِيِّهِ بَيْضَاءُ

أدَبٌ عنده تَضَاعَفَتِ الأعــــــــــمالُ بالترْكِ حَبَّذَا الأُدَباءُ

وَعَلِيٍّ صِنْوِ النبيّ وَمَنْ دِيــــــــــنُ فُؤادِي وِدادُهُ وَالوَلاءُ

وَوَزيرِ ابن عَمِّه في المعالي ** ومِنَ الأهلِ تُسْعَدُ الوُزَراءُ

لم يَزِدْهُ كَشْفُ الغِطاءِ يَقِيناً ** بَل هُوَ الشمْسُ ما عليه غِطاءُ

وبباقِي أصحابِكَ المُظْهِرِ التَّرْــــــــــتيبِ فينا تَفْضِيلُهم والولاءُ

طَلْحَةِ الخَيْرِ المُرْتَضِيهِ رَفيقاً ** وَاحداً يومَ فَرَّت الرُّفَقَاءُ

وَحَوارِيِّكَ الزُّبَيْرِ أبي القَرْــــــــــمِ الذي أَنْجَبَتْ بِهِ أسماءُ

وَالصَّفِيَّيْنِ تَوْأَمِ الفضل سَعْدٍ ** وسَعِيدٍ إنْ عُدَّتِ الأصْفياءُ

وابْنِ عَوْفٍ مَنْ هَوَّنَتْ نفسُه الدُّنـــــــيَا بِبَذْلٍ يُمِدُّهُ إثْراءُ

والمُكَنَّى أبا عُبيْدَةَ إذْ يَعْــــــــزِي إليه الأمانةَ الأُمَناءُ

وَبِعَمَّيْكَ نَيِّرَي فَلَكِ المَجـــــــــــدِ وكلٌّ أتَاهُ منك إتاءُ

وبأمِّ السِّبْطَيْنِ زَوْجِ عَلِيٍّ ** وَبَنِيها وَمَنْ حَوَتْهُ العَبَاءُ

وَبِأَزواجكَ اللَّواتي تَشَرَّفْــــــــن بأنْ صانَهُنَّ منك بِناءُ

الأمانَ الأمانَ إنَّ فُؤادِي ** من ذُنوبٍ أَتَيْتُهُنَّ هَواءُ

قد تَمَسَّكْتُ مِنْ وِدَادِكَ بالحَبــــــــــلِ الذي اسْتَمْسَكَتْ به الشفَعاءُ

وَأبى اللَّهُ أنْ يَمَسَّنِيَ السُّوــــــــــءُ بحالٍ وَلِي إليك الْتِجاءُ

قد رَجَوْناكَ للأُمورِ الّتي أبــــــــــــــرَدُها فِي فُؤَادِنا رَمْضاءُ

وَأَتَيْنا إليكَ أَنْضاءَ فَقْرٍ ** حَمَلَتْنا إلى الغِنَى أَنْضاءُ

وانْطَوَتْ في الصُّدُورِ حاجاتُ نفسٍ ** ما لها عَنْ نَدَى يَدَيْكَ انْطِوَاءُ

فأَغِثْنَا يَا مَنْ هُوَ الغَوثُ والغَيْـــــــــــثُ إذا أَجْهَدَ الورَى اللّأْوَاءُ

وَالجَوَادُ الذِي به تُفْرَجُ الغُمــــــــــــــمَةُ عَنا وتُكْشَفُ الحَوْباءُ

يا رحيماً بالمؤمنين إذا ما ** ذَهِلَت عن أبنائها الرُّحَماءُ

يا شفيعاً في المُذنبين إذا أشـــــــــــــفقَ مِنْ خَوفِ ذَنْبِهِ البُرَآءُ

جُدْ لعاصٍ ومَا سِوايَ هُوَ العاـــــــــصِي وَلكنْ تَنَكُّرِي اسْتِحْياءُ

وتَدَارَكْهُ بالعناية ما داـــــــــــمَ له بالذِّمامِ منك ذماءُ

أخَّرَتْهُ الأعمالُ والمالُ عَمَّا ** قدَّمَ الصَّالحُونَ والأغنياءُ

كل يومٍ ذُنُوبُهُ صاعداتٌ ** وعليها أنفاسُهُ صُعَدَاءُ

أَلِفَ البِطْنَةَ المُبَطِّئَة السَّيْــــــــــرِ بدار بها البِطانُ بِطَاءُ

فَبَكَى ذَنْبَهُ بِقَسْوَةِ قَلْبٍ ** نَهَتِ الدَّمْعَ فالبُكاءُ مُكاءُ

وغَدَا يَعْتِبُ القَضَاءُ ولا عذـــــــــر لعاص فيما يسوق القضاءُ

أوثقته من الذنوب دُيُونٌ ** شَدَّدَتْ فِي اقْتِضائِها الغُرَماءُ

ما لَهُ حِيلَةٌ سِوَى حِيلَةِ المُوـــــــــــثَقِ إِمَّا تَوَسُّلٌ أَوْ دُعَاءُ

رَاجِياً أَنْ تعودَ أعمالُه السُّوــــــــــــءُ بِغُفْرَانِ اللَّهِ وَهْيَ هَباءُ

أَوْ تُرَى سَيِّئاتُهُ حَسَناتٍ ** فيقَالُ اسْتحالتِ الصَّهْباءُ

كلُّ أمْرٍ تُعنَى به تُقْلَبُ الأعْــــــــــيانُ فيه وتَعْجَبُ البُصَراءُ

رُبَّ عَيْنٍ تَفَلْتَ في مائها المِلْــــــــــحِ فأضْحَى وَهْوَ الفُراتُ الرَّوَاءُ

آهِ مِما جَنَيْتُ إنْ كانَ يُغْنِي ** ألِفٌ مِنْ عَظيمِ ذنْبٍ وهاءُ

أرْتَجِي التَّوْبَةَ النَّصُوحَ وفِي القَلْـــــــــــبِ نفَاقٌ وفي اللسانِ رِياءُ

ومتى يَسْتَقيمُ قَلْبِي ولِلْجِسْــــــــــــمِ اعْوِجَاجٌ مِنْ كَبْرتي وانْحِناءُ

كُنْتُ في نَوْمَةِ الشَّبابِ فما اسْتَيْـــــــــقَظْتُ إِلَّا ولِمَّتي شَمْطاءُ

وتمادَيْتُ أَقْتَفي أَثَرَ القَوْــــــــــــمِ فطالَتْ مَسَافَةٌ واقْتِفَاءُ

فوَرا السائرينَ وهْوَ أمامِي ** سُبُلٌ وَعْرَةٌ وأرضٌ عَراءُ

حَمِدَ المُدلِجونَ غِبَّ سُرَاهُم ** وكَفَى مَنْ تَخَلَّف الإِبْطاءُ

رِحلةٌ لَمْ يَزَلْ يُفنِّدني الصَّيـــــــــفُ إِذَا مَا نَوَيْتُها والشِّتاءُ

يَتَّقِي حُرُّ وجْهِي الحَرَّ والبَرْـــــــــــدَ وَقَدْ عَزَّ مِنْ لَظى الاتِّقاءُ

ضِقْتُ ذَرْعاً مِمَّا جَنَيْتُ فَيوْمِي ** قَمْطَرِيرٌ وليلَتي دَرْعاءُ

وَتَذَكَّرْتُ رَحْمَةَ اللَّهِ فالبِشـــــــــــرُ لِوَجْهِي أنّى انْتَحَى تِلْقاءُ

فألحَّ الرَّجاء والخوفُ بالقَلْــــــــــبِ ولِلْخَوفِ والرَّجا إِخْفاءُ

صَاحِ لا تأسَ إنْ ضَعُفْتَ عَنِ الطَّاـــــــعةِ واسْتَأْثَرَتْ بها الأقوياءُ

إنَّ للَّهِ رَحمةً وأحَقُّ الــــــــنَّاسِ منه بالرَّحمةِ الضُّعَفَاءُ

فابقَ في العُرْجِ عندَ مُنْقَلَبِ الذَّوْـــــــــدِ ففِي العَوْدِ تَسْبِقُ العَرْجاءُ

لا تَقُلْ حاسداً لِغَيْرِك هذَا ** أثْمَرَتْ نَخْلَهُ ونَخْلِي عَفاءُ

وائْتِ بالمَسْتَطاع مِنْ عَمَل البرْــــــرِ فقدْ يُسْقِطُ الثِّمارَ الإِتاءُ

وبِحُبِّ النبيِّ فابْغِ رِضَى اللّــــــــــهِ فَفِي حُبِّهِ الرِّضا والحِبَاءُ

يا نبيَّ الهُدَى اسْتِغَاثَةَ مَلْهوـــــــــــفٍ أَضَرَّتْ بحالِه الحوْبَاءُ

يَدَّعِي الحُبَّ وهْوَ يأْمُرُ بالسُّوـــــــــــــءِ ومَنْ لِي أنْ تَصْدُقَ الرَّغْبَاءُ

أَيُّ حُبٍّ يَصِحُّ منه وطَرْفِي ** لِلْكَرَى واصِلٌ وطَيْفُكَ رَاءُ

ليت شِعرِي أَذَاكَ مِنْ عُظمِ ذَنْبٍ ** أمْ حُظُوظُ المُتَيَّمِينَ حُظَاءُ

إنْ يكُنْ عُظْمُ زَلَّتي حَجْبَ رُؤْيَاـــــــــــكَ فقدْ عَزَّ داءَ قلبي الدَّواءُ

كيف يَصدا بالذَّنْبِ قلبُ مُحِبٍّ ** وله ذِكْرُكَ الجميلُ جِلاءُ

هذه عِلَّتي وأنت طبيبي ** ليسَ يَخفَى عليك في القلبِ داءُ

ومِنَ الفَوْزِ أنْ أبُثَّكَ شكوَى ** هِيَ شكوَى إليكَ وهْيَ اقْتضاءُ

ضُمِّنتها مَدَائح مُستطابٌ ** فيك منها المَديحُ والإصغاءُ

قلما حاوَلتْ مَدِيحكَ إِلّا ** سَاعَدَتْهَا مِيمٌ ودالٌ وحَاءُ

حقَّ لِي فيكَ أنْ أُسَاحِلَ قوْماً ** سَلَّمَتْ منهم لَدَلْوِي الدِّلاءُ

إنَّ لِي غيرةً وقد زَاحَمَتْني ** في معاني مَديحِكَ الشُّعراءُ

ولقلبي فيك الغُلوُّ وأنَّى ** لِلِساني في مَدْحِكَ الغُلواءُ

فأَثِبْ خاطِراً يَلَذُّ له مَدْــــــــــــحُك عِلْماً بأَنه اللَّأْلاءُ

حاكَ مِنْ صَنْعَةِ القَرِيض بُرُوداً ** لَكَ لم تحْكِ وشْيَها صَنْعَاءُ

أعجزَ الدُّرَّ نَظمُهُ فاستوتْ فيــــــــــــهِ اليَدَانِ الصَّناعُ والخَرْقَاءُ

فَارْضَهُ أفْصَحَ امرئٍ نطقَ الضَّاــــــــــــدَ فقامتْ تَغَارُ منها الظاءُ

أبِذِكْرِ الآياتِ أُوفِيكَ مَدْحَاً ** أيْنَ مِنى وأَيْنَ منها الوفَاءُ

أمْ أُمَارِي بهِنَّ قَوْمَ نَبِيٍّ ** ساءَ ما ظَنَّهُ بِيَ الأغبياءُ

ولَكَ الأُمَّةُ التي غَبَطَتْهَا ** بكَ لَمَّا أتيْتَها الأنبياءُ

لَمْ نَخَفْ بَعْدَكَ الضَّلالَ وفينا ** وَارِثُوا نُورِ هَدْيِكَ العُلَماءُ

فانْقَضَتْ آيُ الَانبياءُ وَآياـــــــــــتُكَ في الناس ما لَهُنَّ انْقضاءُ

والكراماتَ منهمُ مُعجزاتٌ ** حازَهَا مِنْ نَوَالِكَ الأولياءُ

إنَّ مِنْ مُعجزاتِكَ العَجزَ عَنْ وصـــــــــــفِكَ إذْ لا يَحُدُّهُ الإحصاءُ

كيفَ يَسْتَوعِبُ الكلامُ سَجَاياـــــــــــكَ وَهَلْ تَنْزِحُ البحار الرِّكَاءُ

ليسَ مِنْ غايَةٍ لِوَصْفِكَ أَبغيــــــــــــــها وللْقَوْلِ غايَةٌ وانتهاءُ

إنما فضلُكَ الزَّمَانُ وآياـــــــــــــتُكَ فيما نَعُدُّهُ الآناءُ

لَمْ أُطِلْ في تَعْدادِ مَدْحِكَ نُطْقي ** ومُرادِي بذلك استقصاءُ

غير إنيَ ظمآنُ وَجْدٍ ومَا لي ** بِقَليلٍ مِنَ الورودِ ارْتِواءُ

فسلامٌ عليك تَتْرَى مِنَ اللَّــــــــــهِ وَتَبْقَى به لَكَ البَأواءُ

وسلامٌ عليك منكَ فما غَيــــــــــــــرُك منه لكَ السلام كِفاءُ

وَسَلامٌ مِنْ كلِّ ما خَلَقَ اللَّـــــــــــــهُ لِتحْيا بِذِكْرِكَ الأملاءُ

وَصلاةٌ كالمِسْكِ تَحْمِله مِنْــــــــــــنِي شمَالٌ إليكَ أَو نكْباءُ

وَسَلامٌ عَلَى ضَرِيحِكَ تخْضَلْــــــــــــلُ به منه تُرْبَةٌ وَعْساءُ

وَثَنَاءٌ قَدَّمْتَ بينَ يَدَيْ نَجْــــــــــــــوَايَ إذْ لم يكن لَديَّ ثَراءُ

ما أَقَامَ الصلاةَ مَنْ عَبَدَ اللَّــــــــــــهِ وقامتْ بِربِّهَا الأشياءُ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/

جميع الحقوق محفوظه © الإشراق1

تصميم الورشه