شرح قصيدة النسور محمد أبو سنة

قصيدة النسور : محمد أبو سنة

 ( المقطع الأول )
النُّسُورُ الطَّليقةُ هائمةٌ ....  في الفضاءِ الرماديِّ ....  ترصُدُ مَوْقعَها ...  في أعالي الجبالْ...
إنَّها تتذكرُ شكلَ السهولِ ... بخُضْرتِها .... بِتدفُقِ غدرانِها...  و الأرانبُ تقفزُ ....
 في العشبِ مثلَ اللاّلْ .... تتذكرُ و الجوعُ يحرقُ أحشاءَها .... فتُسدِّدُ نظرتَها للمُحالْ ....
تتعالى تحلِّقُ مثلَ .... الشموس التي... أفلتتْ مِنْ مداراتِها .
يُصبحُ الأفُقُ مِلْكاً لها .... و النجومُ مناراتُها .... و الخلودُ احتمالْ....عندَها تأخذُ الكبرياءُ ... التي قتلتْ جوعَها .... تتمددُ ... تنسَى... ترابَ السهولْ .... اخضرارَ الحقولِ .....
انبساطَ الرِّمالْ .....

(المقطع الثاني )
في المضيقِ العميقِ ... الأرانبُ ... قابعةٌ في انتظارِ المصيرِ المُدجَّجِ بالموت ....
 تأكلُ أعشابَها بالفرار .... إلي الجحْرِ .... ترجُفُ بالخوفِ بينَ الظلالْ  ....
( المقطع الثالث )
النُّسورُ الطليقةُ في الأفُق ... تعرفُ مَصْرعَها ... و العيونُ التي تترصدُها ....
والنِّصالُ التي تتعاقبُ .... خلفَ النِّصالْ .. .
(المقطع الرابع )
النسورُ الطليقةُ في الأفُق ... ترفعُ هاماتِها و تحلِّقُ ... تعلو و تخفقُ بالزَّهوِ ... لا تتذكّرُ خُضْرَ السهولِ ....  بخيراتِها  ... تتعقبُ... وردَ الذُّرَا .... في الفضاءِ السحيقِ ...
 و حُلْم الكمالْ   . 
             --------------------------

الشرح و التحليل
 المقطع الأول :
النسور الطليقة ( الحرة) هائمة ( حائرة) ....  في الفضاء الرمادي ....  ترصد ( ترقب) موقعها ...  في أعالي الجبال...
 إنها تتذكر شكل السهول ( الأرض المنبسطة) ... بخضرتها .... بتدفق غدرانها (الغدير : مكان مياه السيول)...  و الأرانب تقفز ....
في العشب مثل اللاّل ( اللؤلؤ) .... تتذكر و الجوع يحرق أحشاءها (أمعاءها) .... فتسدد ( تصوّب) نظرتَها للمُحال ( المستحيل ) ....
تتعالي(ترتفع) تحلقُ مثلَ .... الشموسِ التي... أفلتتْ من مداراتِها ...
يصبح الأفُقُ(جوانب السماء) ملكاً لها .... و النجوم مناراتها (علامات للهداية) .... و الخلود(الدائم) احتمال (ممكن الحصول)....عندها تأخذُ الكبرياءُ(عزة نفسها) ... التي قتلت جوعها .... تتمددُ (تزداد)... تنسَى... ترابَ السهول .... اخضرار الحقول.....
انبساط الرمال .....
فكرة المقطع الأول :
وصف النسور بعلو الهمة وسمو النفس  تهيم في الفضاء حرة طليقة ، تحوم في أعالي الجبال ، ولا تعبأ بانشغال غيرها بلقمة العيش تراقب أوطانها وتحافظ عليها لا تعبأ بالجوع الذي يحرق أحشاءها فتسمو بنفسها وتتطلع إلى الأمنيات الصعاب ، وتظل فى تساميها  وطموحها ، كأنها الشمس التى ليس لها مدار محدد  حتى يصبح الأفق ملكا لها ، تستنير بالنجوم ، وتطمح إلى الخلود ، ويُنسيها كبرياؤها الجوع المحرق  بل تقتله فى نفسها ، وتترفع عن الدِّعة والخمول ، وتترفع عن كل المغريات المحيطة بها من السهول المنبسطة واخضرار الحقول ، والغدران ... 
البلاغة :
أولاً : الاستعارة التصريحية :
*- النسور  الطليقة: استعارة تصريحية 
شبه الإنسان بالنسور وحذف المشبه(الإنسان)
 وصرح بالمشبه به ( النسور) وتوحي بالطموح والإباء والحرية .
*- الأرانب : استعارة تصريحية شبه الإنسان بالأرانب وحذف المشبه (الإنسان)
 وصرح بالمشبه به ( الأرانب) وتوحي بالخمول والجبن .
ثانياً : الاستعارة المكنية :
*- النسور الطليقة هائمة : استعارة مكنية ، شبه النسور بإنسان وحذفه ودل عليه صفة من صفاته (هائمة) وسر جمالها التشخيص .وتوحي بالقلق والحيرة .
*- الجوع يحرق أحشاءها : استعارة مكنية شبه الجوع بالنار وحذفه ودلّ عليه الحرق
 توحي بالألم والشدة في سبيل تحقيق الهدف .
*- النسور تسدد نظرتها للمُحال  : استعارة مكنية الأولى شبه النسور بإنسان ( تشخيص) يصوب السهم نحو الهدف (تجسيم) وشبه النظرات بالسهام وشبه المحال بالهدف مكان تسديد السهام (تجسيم).
 وتوحي : باليقظة وبعد النظر والتطلع إلى المستقبل .
*- الشمس أفلتت : استعارة مكنية  شبه الشموس بإنسان وحذفه ودل عليه (أفلتت) وتوحي بالحرية (تشخيص) .
*- تأخذ الكبرياء : شبه الكبرياء بالإنسان وحذف المشبه به (الإنسان) وترك صفة من صفاته (الأخذ)
*- قتلت جوعها :شبه الجوع بإنسان يُقتل توحي بالتخلص من الجوع ربما يكون عقبة أمام تحقيق الهدف .
*- الكبرياء تتمدد... تنسى : استعارة مكنية ، صوّر الكبرياء بإنسان يتمدد وينسى .
ثالثاً : التشبيه :
 *- الأرانب مثل الآل : المشبه : الأرانب والمشبه به : اللؤلؤ - وأداة التشبيه :مثل (اسم) ووجه الشبه محذوف
 وهو جمال المظهر . نوع التشبيه مفرد مرسل لوجود الأداة ومجمل لأن وجه الشبه محذوف.
 وتوحي بالجمال وحسن المظهر  وسر الجمال التوضيح (محسوس بمحسوس ) .
*-  النسور تحلق مثل الشموس  : تشبيه مركب
 - المشبه : صورة النسور وهي تحلق وترتفع في السماء .
 - المشبه به :صورة الشموس التي تدور وقد خرجت عن مداراتها
 ووجه الشبه : الانطلاق والحرية.
 نوع التشبيه : تشبيه تمثيلي
*- النجوم مناراتها : المشبه : النجوم والمشبه به : منارات نوعه تشبيه بليغ حذف الأداة ووجه الشبه (توضيح). وتوحي بالهداية والاقتداء .

ثالثاً : الكناية :
تستطيع أن تستشف الكناية من دلالات وإيحاءات المعاني وهي في النص كثيرة
نذكر منها على سبيل المثال في المقطع الأول :
- الأفق ملكاً لها : كناية عن التمكن والسيطرة . - الخضرة والغدران : كناية عن رغد العيش.
- الفضاء الرمادي : كناية عن الحيرة والغموض .
رابعاً : المجاز المرسل :
الغدران : المقصود الماء ذكر مكان الماء علاقته المحلية والغرض : الإيجاز  وإعمال الفكر.
خامساً : المحسنات البديعية :
- الطباق في ( أعالي – السهول ) الغرض إيضاح وإبراز المعنى .
- مداراتها – مناراتها : جناس ناقص  الغرض : إحداث نغمة موسيقية تعمل على لفت الانتباه
 وإعمال الفكر .
- المقابلة بين حياة النسور وحياة الأرانب .
خامساً :الأساليب والتراكيب : تتميز بالأسلوب الخبري المناسب لوصف حياة النسور والأرانب
 - استخدام الفعل المضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار  مثل :
 تتذكر – تتعالى – تقفز – ترصد – تسدد – تحلق .....
*- عندها تأخذ : قدم الظرف المتعلق بالفعل . للتوكيد والاهتمام بالمقدم ( وقت التطلع إلى الخلود).
( المقطع الثاني )
في المضيق العميق ... الأرانب ... قابعة( راقدة) في انتظار المصير (نهايتها ) المُدجّج(المُغطَّى) بالموت ....
 تأكل أعشابها بالفرار .... إلي الجحر .... ترجف بالخوف(ترتعد خوفاً) بين الظلال  .... 
الفكرة :
اللوحة الثانية تصور حياة الأرانب تعيش في مكان ضيق منخفض ، تنتظر الجوع والموت المكتوب عليها ، تأكل مما أتيح لها حول جحرها ، وهي خائفة وتلوذ بالفرار إليه ، وإذا أوتْ إلى ظل كان الخوف يتملكها ، حياة جبن وخوف واستسلام دائم .
*- الأرانب : رمز للإنسان الخامل الكسول ولأصحاب الدعة والراحة .
البلاغة :
*- في انتظار المصير : شبه المصير بإنسان وحذفه ودل عليه صفة من صفاته وهي الانتظار
نوع الصورة استعارة مكنية الغرض منها التشخيص
 *- المصير المدجج بالموت : استعارة مكنية
 شبه المصير بإنسان مغطى بالسلاح ( تشخيص)
وشبه الموت بالسلاح (تجسيم). توحي بالخوف وبشدة الخوف من المستقبل .
*- ترتعد خوفاً . توحي بالفزع والخوف الشديد .
*- الأسلوب خبري مناسب لوصف حياة الأرانب .
*- استخدام أسلوب القصر الذي يفيد التوكيد وطريقته تقديم ما حقّه التأخير مثل :
 ( في المضيق .. الأرانب قابعة ) تقديم الجار والمجرور على متعلقه ( قابعة).
( المقطع الثالث )
النسورُ الطليقةُ في الأفق( جوانب السماء) ... تعرف مصرعها ... و العيونُ التي تترصدُها (تترقبها) ....
والنِّصال (النصل:حديدة الرمح ونصل السيف)  التى تتعاقب(تتابع) .... خلفَ النِّصالْ .. .
الفكرة الثالثة :
إصرار النسور على البقاء في القمم تحلق في جوانب السماء لكنها تعرف مصيرها
وتعرف ما يُحاك لها من دسائس ومن يترصدها ليقضي عليها لكنّ هذا لا يُضعف من عزيمتها
 ولا يثنيها عن هدفها فهي دائماً تراقب ومستعدة للمهاجمة.
البلاغة :
*- تعرف مصرعها : شبه النسور  بإنسان يعرف وحذف المشبه به استعارة مكنية (التشخيص) توحي بالحذر الشديد .
*- النصال : شبه المكائد والدسائس بالنصال وحذف المشبه (المكائد) وصرح بالمشبه به (النصال). الغرض : التجسيم ( شبه المعنوي بالمحسوس) توحي بالقوة .
*- العيون : مجاز مرسل والمقصود الشخص علاقته الجزئية والغرض : الإيجاز
*- دلالات الألفاظ :
 - النصال تتعافب : توحي : بالتحدي والصمود
 - تترصد : الترقّب والترصد يوحي بالمتابعة والتوقع والاستعداد .
 - تتعاقب : تدل على التتابع والاستمرار.
(المقطع الرابع )
النسور الطليقة في الأفُق ... ترفعُ هاماتِها(رأسها) و تحلقُ ... تعلو و تخفق بالزَّهوِ(الفخر) ... لا تتذكّرُ خضرَ السهولِ ....  بخيراتِها  ... تتعقبُ... وردَ الذُرا (الذروة:أعلى الشيء) ....
 في الفضاءِ السحيقِ(البعيد الفسيح) ... و حُلم الكمالْ (الأمل الذي تصبو إليه)   .
  ---------------------
الشرح : النسور الطموحة  تنطلق في الأفق الممتد أمامها معتزة بنفسها في علوٍ وانخفاض في زهو وتيه ، لا تخدعها السهول المخضرة ( تمثل حياة الدعة )  بل تبقى تطير  إلى أعالي الفضاء الممتد الواسع لتحقيق حلمها وأملها في الوجود .
 تركت حياة الدعة وصوّبت نظرتها إلى القمة والخلود . 
مواطن الجمال :
*- ترفع هاماتها : استعارة مكنية  شبه النسور بإنسان وحذفه ودل عليه رفع الرأس وتوحي بالكبرياء.
*- تخفق بالزهو : استعارة مكنية  شبه النسور بإنسان يزهو وتوحي بالعزة والفخر والثقة بالنفس .
*- لا تتذكر  - تتعقب :  استعارة مكنية ، صور النسور بإنسان وحذفه ودلّ عليه من صفاته التذكر والتعقب.
*- تتعقب حلم الكمال : استعارة مكنية صور حلم الكمال بشيئ مادي .
*- ورد الذرا : المقصود الآمال العالية
 شبه الآمال العالية بورد الذرا وحذف المشبه (الآمال) وصرح بالمشبه به ( ورد الذرا)
*- استخدام الفعل المضارع الذي يدل على التجدد والاستمرار (ترفع تخفق تتعقب...
  -----------------------
فائدة :
 الفعل المضارع  يفيد التجدد والاستمرار واستحضار الصورة في ذهن السامع كي تبفى في مخيلته .
الصورة الكلية في النص : المقابلة بين صورتين
- الأولى : رسم الشاعر صورة كلية لحياة الطامحين النابهين أصحاب الهمم العالية ورمز لهم بالنسور
والثانية تصور حياة الخاملين الجبناء الكسالى ورمز لهم بالأرانب تتخللها صور جزئية سبق ذكرها .
موسيقا النص:
*- موسيقا خارجية :
- تتمثل في الوزن والقافية المتعددة والمتنوعة كاللام الساكنة (الجبالْ – الآلْ – الرمالْ...)
 أو المتحركة (شكل السهولِ – الحقولِ ) كذلك الهاء يتبعها ألف الإطلاق(خضرتها- أحشاءها..
 وكل ماله نغمة موسيقية كالجناس في ( مداراتها ومناراتها ).
- تكرار الكلمات (النسور والأرانب والسهول والأفق والفضاء....)  وتكرار الجمل (النسور الطليقة في الأفق )
 - تكرار حرف التاء في الأفعال تتعاقب تتذكر تتمدد .....)
 *- موسيقا داخلية : تتمثل في الصورة الكلية والصور الجزئية السابقة الذكر .
- ومن دلالات وإيحاءات الألفاظ مثل النسور توحي بالقوة والأرانب توحي بالضعف
- والتصوير الفني من تشبيهات واستعارات وكناية ومجاز مرسل ....
السمات الفنية في النص : أو (الخصائص الأسلوبية) :
1- تحقق الوحدة العضوية -  2- القصيدة من الشعر الحر يعتمد على وحدة التفعيلة
3- الاعتماد على الصورة والرمز  مثل :
 النسور رمز للإنسان الطموح والأرانب للإنسان الخامل الكسول .
 والجبال والشموس والنجوم وغيرها ترمز للطموح .
 والسهول والمضيق والظلال .... ترمز للخمول والضعف .
4- كثرة التكرار للمفردات والجمل .
5- الاعتماد على اللغة التصويرية كالاستعارة والتشبيه والكناية والمجاز
 والتي تخدم الصورة الكلية .
6- استخدام الفل المضارع الذي يدل على التجدد والاستمرار واستحضار الصورة .
7- استيحاء عبارات من التراث ( اقتباس ) مثل :
*- (ترجف بالخوف) مستوحاة من قوله تعالى: " ترجف الراجفة " .
*-  النصال التي تتعاقب خلف النصال : توحي بكثرة الأعداء الحاقدين 
 استوحى الشاعر المعنى من قول المتنبي :
وكنت إذا أصابتني سهام  *** تكسرت النصال على النصال
8- النص أربعة مقاطع كل مقطع لوحة فنية تتمثل في صورة كلية
تستطيع أن تدرك عناصرها من شخوص ولون وحركة وصوت .
مثل : النسور والأرانب والجبال .. وغيرها ولون الأرانب والجبال والرمادي
 والشموس وصفرة الرمال والخضرة وبياض النجوم .... وحركة التحليق والهبوط وقفز الأرانب وصوتها وصوت خرير الماء في الغدران وحركة رجف الأرانب وفرارها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/

جميع الحقوق محفوظه © الإشراق1

تصميم الورشه