أغراض الشعر في العصر العباسي

الأدب في العصر العباسي

كان تطوُّرُ الأدب العربي مواكبةً للتطور الحضاري في جميع الفنون والمعارف وشتى ميادين الحياة في ظل الدولة العباسية.

أغراض وموضوعات الشعر في العصر العباسي            

أولاً: ملامح التجديد في الأغراض القديمة 

1- غرض الفخر والحماسة: وموضوعاته:

*- الفخر بأمجاد العرب ومآثرهم وفتوحاتهم، قال أبو فراس الحمداني:

ونحن أُناسٌ لا تَوسُّطَ بيننا*** لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ

 تهونُ علينا في المعالي نفوسُنا*** ومَنْ يخْطِبِ الحسناءَ لم يُغلِهِ المهرُ 

- وكان من أسباب هذا التجديد الحركة الشعوبية التي ظهرت بسبب كثرة العنصر الفارسي وتعاليهم واحتقارهم للعرب، قال أبو نواس:

ولا تأخذْ مِنَ الأعرابِ لهواً *** ولا عيشاً فعيشُهمُ جديبُ

ذرِ الألبانَ يشربُها أُناسٌ *** رقيقُ العيشِ عندهم غريبُ

2- المدح: وموضوعاته:

*- المُلاءمة بين الشعر والممدوح، مثل: تقوى وعدل الخليفة، وصف شجاعة القائد، حُسن سياسة الوزير وعدل القضاة وعلم الفقهاء، وغيرهم.

قول مروان بن أبى حفصة فى مطلع قصيدة للمهدى:

أحيا أميرُ المؤمنين محمد *** سننَ النبىِّ حرامها وحلالها

*- قال البحتري في المتوكل:

خلق اللهُ جعفرا قيّمَ الدّنـــــــيا سداداً وقيّم الدين رشدا

أظهر العدلَ فاستنارتْ به الأر   ضُ وعمّ البلادَ غوراً ونجدا

ويقول أبو العتاهية فى هرون الرشيد:

وراعٍ يراعي اللهَ فى حفظِ أمّةٍ***يدافعُ عنها الشرَّ غيرَ رقود

تجافى عن الدنيا وأيقنَ أنّها *** مفارقةٌ ليستْ بدارِ خلودِ

*- المدح القومي: مدح الأبطال وجيوش الأمة،

قال البحتري يمدح يوسف بن محمد الثغري في انتصاراته على البطارقة الأرمنيين:

هو الملكُ المرجوُّ للدينِ والعلا فللهِ تقواه وللمجدِ سائرُهْ

له البأسُ يُخشَى والسماحةُ تُرتجَى فلا الغيثُ ثانيه ولا الليلُ عاشرُهْ

كَسرتَهم كسْرَ الزّجاجةِ حدّةً ومِنْ يَجْبُر الوهى الذى أنت كاسرُهْ

3- الرثاء: وموضوعاته:

 أ- رثاء الأبناء والأقارب والأصدقاء،  

قال ابن الرومي في رثاء ابنه:

توخَى حِمامُ الموتِ أوسطَ صبيتي *** فللّهِ كيف اختار واسطةَ العقدِ

طواه الرَّدَى عنّي فأضحَى مزارُه *** بعيداً على قُربٍ قريباً على بُعدِ

ب- الرثاء الرسمي: تعزية الخليفة والأمراء ومن لهم صلة بهم.

قال البحتري يرثي المتوكل بعد مقتله:

مَحَلٌّ على القاطولِ أخْلقَ داثِرُه***وعادتْ صروفُ الدهرِ جيشاً تغاورُه

كأنّ الصَّبا تُوفي نُذُوراً إذا انبَرَتْ***  تُرَاوِحُهُ أذْيَالُهَا وَتُبَاكِرُهْ

وَرُبّ زَمَانٍ نَاعِمٍ ثَمّ عَهْدُهُ*** تَرِقُّ حَوَاشِيهِ وَيُونِقُ نَاضِرُهْ

*- قال علي بن بسام يرثي علي بن يحيى المنجم الذي كان له صلة بالخلفاء:

قد زرتُ قبرَك يا علىُّ مسلّما***ولك الزيارةُ مِنْ أقلِّ الواجبِ

ولو استطعتُ حملتُ عنك ترابَه***فلطالما عنّي حملتَ نوائبى

ودمى فلو أنّى علمتُ بأنّه***يروى ثراك سقاه صوبُ الصائبِ

ج- رثاء المدن: رثى ابنُ الرومي مدينة البصرة إبّان ثورة الزنج بقيادة علي بن محمد عام 257 هـ وقد ألحقوا بها الخراب والدمار والحرق وقتل الأبرياء.

ذاد عن مُقلتي لذيذَ المنام *** شغلُها عنه بالدموعِ السِّجامِ

أيُّ نومٍ من بعدِ ما حلَّ بالبصــــرةِ ما حلّ مِنْ هَناتٍ عِظامِ؟

 أيُّ نومٍ من بعدِ ما انتهك الزنـــــجُ جِهاراً محارمَ الإسلامِ؟

*- وبعد وفاة الخليفة المتوكل ذهب البحتري إلى بلاد فارس ووقف على إيوان كسرى في أنطاكية بعد الحرب المدمرة بين الفرس والروم قال يرثيه:

فكأن الجرمازُ من عدم الإنـــــسِ وإخلاقه بنيّة رمسِ

لو تراه علمتَ أنّ اللياليَ***جعلتْ فيه مأتماً بعدَ عرسِ

وإذا ما رأيتَ صورةَ أنطا ــــــ كيّةَ ارتعتْ بين رومٍ وفرسِ

والمنايا مواثلُ وأنوشر***وانَ يُزجي الصفوفَ تحتَ الدّرفسِ

وعراكُ الرجالِ بينَ يديهِ***فى خفوتٍ منهمْ وإغماضِ جرسِ

د- رثاء الطيور والحيوانات الأليفة: كثر هذا النوع من الشعر في العصر العباسي، قال ابن العلاف الضرير يرثي هرّة:

يا هرُّ فارقتنا ولم تعُدْ***وكنت منّا بمنزلِ الولدِ

فكيف ننفكُّ عنْ هواك وقد***كنتَ لنا عدّةٌ مِنَ العددِ

تطردُ عنّا الأذَى وتحرسُنا***بالغيبِ مِنْ حبّةٍ ومن جرد

وتُخرجُ الفأرَ مِنْ مكامنِها***ما بين مفتوحِها إلى السّدد

*- رثاء حمامة لجهم بن خلف المازني:

وقد شاقني نوحُ قمرية ***طروبَ العشيِّ هتوفَ الضحى 
أضلتْ فريخاً فطافتْ له ***وقدْ علقته حبالُ الردى
فلما بدا اليأسُ منه بكتْ *** عليه وماذا يردُّ البكا
تغنَّتْ عليه بلحنٍ لها *** يهيجُ للصبِّ ما قد مضى
فلم أرَ باكيةً مثلَها *** تبكِّي ودمعتها لا تُرى

4- الوصف:

عرفنا أنّ الوصف يتخلّل جميع القصائد و معظم الشعر يدخل في باب الوصف،

مع ظهور موضوعات جديدة.

*- وصف الحيوان:  قال البحتري في وصف فرس:

 يهوي كما تهوي العقابُ وقد رأتْ*** صيداً وينتصبُ انتصابَ الأجدلِ

وتراه يسطعُ فى الغبارِ لهيبُه ***لوناً وشدّا كالحريقِ المشعلِ

هزج الصهيل كأنّ فى نغماته*** نبراتٍ معبد فى الثقيل الأولِ

ملك العيون فإنْ بدا أعطينه*** نظرَ المُحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ

*- وصف القصور والبساتين والبرك المائية، ومن ذلك قول البحتري في وصف بركة الخليفة المتوكل:

تنصبُّ فيها وفود الماءِ معجلةً *** كالخيلِ خارجةً من حبلِ مُجريها

كأنّما الفضةُ البيضاءُ سائلةً *** من السبائكِ تجري في مجاريها

إذا النجومُ تراءتْ في جوانبِها *** ليلاً حسبْتَ سماءً رُكِّبتْ فيها

*- علي بن الجهم يصف أحد قصور المتوكل قائلاً:

 صحون تسافر فيها العيون ***وتحسر عن بعد أقطارها

وقبّة ملك كأن النجو***م تفضى إليها بأسرارها

لها شرفات كأن الربيع*** كساها الرياض بأنوارها

نظمن الفسيفس نظم الحلىّ*** لعون النّساء وأبكارها

*- وصف مظاهر الحضارة الحديثة بكل ما أتت به كوصف كل ما يتعلق بالكتابة وأدواتها ووصف الأطعمة والأشربة، قال كلثوم بن عمرو العتابي:

لنا جلساءُ ما نملُّ حديثَهم*** أمينون مأمونونَ غيْباً ومشهدا

يفيدوننا من علمهم علمَ ما مضى*** ورأياً وتأديباً وأمراً مُسددا

*- وصف المعارك وصفاً دقيقاً تفصيلياً عن قُرب.

وصف أبو تمام أحداث معركة عمّورية وصفاً دقيقاً قي قصيدته المشهورة والتي مطلعها:

السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ*** في حَدّه الحَدُّ بين الجِدّ واللّعبِ 

إلى أن قال:

لَـقَــدْ تَـرَكــتَ أَمـيــرَ الْمُـؤْمـنـيـنَ بِــهــا***لِلـنَّـارِ يَـوْمـاً ذَلـيـلَ الصَّـخْـرِ والخَـشَـبِ

غَـادَرْتَ فيهـا بَهِيـمَ اللَّيْـلِ وَهْـوَ ضُحًـى***يَشُـلُّـهُ وَسْطَـهَـا صُـبْــحٌ مِـــنَ الـلَّـهَـبِ

حَـتَّـى كَــأَنَّ جَلاَبـيـبَ الـدُّجَـى رَغِـبَـتْ***عَـنْ لَوْنِهَـا وكَـأَنَّ الشَّـمْـسَ لَــم تَـغِـبِ

ضَــوْءٌ مِـــنَ الـنَّــارِ والظَّـلْـمَـاءُ عـاكِـفَـةٌ***وَظُلْمَةٌ مِنَ دُخَانٍ فِـي ضُحـىً شَحـبِ

فالشَّمْـسُ طَالِعَـةٌ مِـنْ ذَا وقــدْ أَفَـلَـتْ***والشَّمْـسُ وَاجِبَـةٌ مِــنْ ذَا ولَــمْ تَـجِـبِ

5- الغزل: وموضوعاته:

 *- المجون والزندقة (الفسق والفساد وشرب الخمر وارتكاب المحرمات دون خلق أو وازع ديني).

قال الصاحب بن عباد فى وصف كأس مملوءة بالخمر:

رقّ الزجاجُ وراقتِ الخمرُ*** وتشابها فتشاكل الأمرُ

فكأنّما خمرٌ ولا قدحٌ وكأنّما قدحٌ ولا خمرُ

قال مطيع بن إياس الكناني أبو سلمى:

اخلعْ عذارَك فى الهوى***واشربْ معتّقةَ الدّنانِ

وصلِ القبيحَ مجاهراً***فالعيشُ فى وصلِ القيانِ

لا يلهينّك غيرُ ما***تهوى فإنَّ العمرَ فانِ

*- الغزل الحسي المباشر ويمثله بشار بن برد وأبو نواس، قال ابن الرومي:

أعانقُها والنفسُ بعدَ مشوقةٍ*** إليها، وهلْ بعدَ العناقِ تدانِ

وألثُم فاها كي تزولَ حرارتى ***فيشتدُّ ما ألقى من الهيمان

كأنَّ فؤادى ليس يشفى غليله*** سوى أن يرى الروحين يمتزجانِ

*- ضعف الغزل العذري الذي يمثله العباس بن الأحنف.

ومن الغزل العذري قول الأبيوردي:

نزلنا بنعمان الأراك، وللنّدى*** سقيط به ابتلّت علينا المطارف 

فبتّ أعانى الوجد والركب نوّم ***وقد أخذتْ منّى السّرَى والتّنائفُ 

وأذكرُ خودا إنْ دعانى على النّوى ***هواها أجابتْه الدموعُ الذوارفُ

6- الحكمة: تأثرت بالمنطق والفلسفة واتّسمت بالدقة والعمق، كقول أبي تمام:

وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلةٍ *** طُويتْ لأتاح لها لسانَ حسودِ

لولا اشتعال النار فيما جاورتْ *** ما كان يُعرفُ طيبُ عَرفِ العودِ

7- كثرة العتاب والاعتذار: ومنها عتاب ابن الرومي في آل وهب:

تَخِذتُكُم درعاً وترساً لتدفعوا*** نبالَ العِدا عنّي فكنتُم نصالَها

وقد كنتُ أرجو منكم خيرَ ناصرٍ*** على حينِ خُذلان اليمين شمالها

فإنْ أنتم لم تحفظوا لمودّتى ***ذِماماً فكونوا لا عليها ولا لها

*- اعتذار البحتري للفتح بن خاقان وزير المتوكل بقوله:

عذيرى من الأيام رنّقن مشربى*** ولقّيننى نحسا من الطير أشأما

وأكسبننى سخط امرئ بتّ موهنا*** أرى سخطه ليلا مع الليل مظلما 

ثانياً: أغراض الشعر الجديدة في العصر العباسي

بجانب الأغراض القديمة ظهرت أغراض جديدة مبتكرة لم تكن من قبل، مثل:

1- الزهد والتصوف:

أ-الزهد وموضوعاته: الزهد والتقشف والعمل للآخرة.

*- سبب ظهوره انعكاس لحياة الترف واللهو والمجون.

*- رائد الزهد الشاعر أبو العتاهية حيث يقول:

يا بائعَ الدينِ بالدّنيا وباطلها *** ترضى بدينك شيئاً ليس يسواهُ

حتّى متى أنت في لهوٍ وفي لعبٍ ***والموتُ نحوكَ يَهوي فاغِراً فاهُ

ب- التصوف وموضوعاته: إنكار الذات، والحبّ الإلهي والفناء في الذات الإلهية،

يقول شوقي ضيف:" ذو النون المصرى الذى يُعدّ الأب الحقيقى للتصوف، وهو أول من تكلم عن المعرفة الصوفية فارقاً بينها وبين المعرفة العلمية والفلسفية التى تقوم على الفكر والمنطق، على حين تقوم المعرفة الصوفية على القلب والكشف والمشاهدة، فهى معرفة باطنة تقوم على الإدراك الحدسى، ولها أحوال ومقامات، ومن قوله يخاطب ربه:

أموت وما ماتت إليك صبابتى*** ولا قضيت من صدق حبّك أوطارى

تحمّل قلبى فيك ما لا أبثّه***  وإن طال سقمى فيك أوطال إضرارى".

2- التهكم والهزل:

*- موضوعاته: الدعابة والتهكم للترفيه عن النفوس، قال أبو الشمقمق:

وله لحية تيس*** وله مِنقار نسر

وله نكهت ليث*** خالطت نكهة صقرِ 

قال أبو دلامة:

ألا أبلغْ إليك أبا دلامة*** فليس من الكِرام ولا كرامة

إذا لبس العمامةَ كان قرداً*** وخنزيراً إذا نزع العمامة 

3- الشعر التعليمي:

الهدف منه تسهيل الحفظ والاستذكار على طلاب العلم، في شتى العلوم في الفقه وعلوم اللغة وغيرها... قال ابن دريد في المقصور والممدود من علوم اللغة:

 لا تركننّ إلى الهوى ***واحذر مفارقة الهواء

يوما تصير إلى الثّرى*** ويفوز غيرك بالثراء

4-  الدهريات:

وهي الشكوى من الزمان حتى أصبحت ظاهرة عامة في العصر العباسي الثاني وله قصائد مستقلة وكان ذلك نتيجة الفقر والظلم. قال عبد الله بن المعتز:

لمْ يبقَ في العيش غيرُ البؤسِ والنّكدِ*** فاهربْ إلى الموتِ منْ همٍّ ومن نكدِ

ملأتَ يا دهرُ عيني من مكارهها*** يا دهرُ حسبُك قد أسرفت فاقتصدِ

قول ابن الرومي فى جمال العيون ومدى تأثيرها وسحرها فى العشاق:

نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها***ثم انثنت عنه فكاد يهيم

ويلاه إن نظرت وإن هى أعرضت*** وقع السهام ونزعهنّ أليم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/

جميع الحقوق محفوظه © الإشراق1

تصميم الورشه