حبٌّ ووفاء : العباس بن الأحنف
*أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
*** دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
*كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
*** لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
*أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ
بِعَبرَةٍ *** تَسُحُّ عَلى القرطاسِ سَحَّ غُروبِ
*أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما
عَرَفتِني *** لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
*وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن
أَمُتْ *** فَلَيتَكِ مِن حُورِ الجِنانِ نَصيبي
*سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم *** وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
*فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني
وَبَينَكُم *** فَإِنَّ الهَوى وَالوُّدَّ غَيرُ مَشوبِ
*فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ
بَعدَكُم *** وَلا جَمَدَتْ عَينٌ جَرَتْ بِسُكوبِ
*وَإِنّي لَأَستَهدي الرِّياحَ
سَلامَكُم *** إِذا أَقبَلَتْ مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
*فَأَسأَلُها حَمْلَ السَلامِ
إِلَيكُمُ ** فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَتْ فَأَجيبي
*أَرى البَيْنَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم *** فَيا رَبُّ قَرِّبْ دارَ كُلِّ حَبيبِ
جو النص:
العباس بن الأحنف شاعرعباسي
من أسرة ثريّة متحضّرة برع في فنّ الغزل مُرهف الحسّ رقيق المشاعر لم يهجُ ولم
يمدح تكسباً للمال توفي 192 هجرية.
1- الغرض الشعري: الغزل
العذري (العفيف).
2- التجربة الشعرية: حب
الشاعر لمحبوبته والوفاء لها.
3- العاطفة الأساسية
للنص: الحزن والألم.
4- النص يدلّ على
التسامح والسلام بين الناس.
5- العلاقة القوية بين
الرجل والمرأة.
6- الشاعر مقيم في
العراق ومحبوبته من الحجاز.
الشرح والتوضيح:
أولاً:- شوق واستعطاف
(1- 3)
1- أَزَينَ نِساءِ
العالَمينَ أَجيبي *** دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
زين: أجمل مضادها (شَيْن)- مشوق:
مُشتاق
2- كَتَبْتُ كِتابي ما
أُقيمُ حُروفَهُ *** لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
إعوالي: البُكاء مع الصِّياح- نحيبي:
بُكائي
3- أَخُطُّ وَأَمحو ما
خَطَطتُ بِعَبرَةٍ *** تَسُحُّ عَلى القِرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أخطّ: أكتب- أمحو: أزيل- عَبْرة:
دمعة- تسحّ: تسيل- القرطاس: الكتاب- غروب: الدلو
شرح الأبيات:- يستعطف
الشاعر محبوبته ويطلب منها استجابة ندائه وهو المُحبِّ المُشتاق
ويبين لها عدم قدرته على الكتابة من
شدة البكاء والنحيب حيث تمحو دموعه ما يكتبه من لوعة الفراق.
التعبير والبلاغة:
*- أزين العالمين: أسلوب إنشائي نوعه
نداء الغرض منه التقرُّب والتّحبُّب.
*- التصريع في مطلع القصيدة بين
(أجيبي وغريبي) تُشبع الكسرة ياء (نغمة موسيقية).
التصريع هو تشابه الحروف بين صدر
البيت وعجزه.
*- أجيبي: أسلوب إنشائي نوعه: أمر
غرضه الاستعطاف لأنه بين حال بعده عنها
*- تسح سحّ غروب: تشبيه بليغ شبح
سيلان دمعه بسيلان ماء الدلو، يوحي التشبيه بمرارة الألم.
*- أقيم حروفه: صورة بلاغية نوعها
استعارة مكنية، شبه الحروف بالبنيان وحذف المشبه به (البنيان) وترك لازم من لوازمه
أو (دلّ عليه) كلمة (أقيمه) سر الجمال التجسيم توحي بالاضطراب والارتعاش من شدة
البكاء.
*- حروفه: المقصود الكتاب مجاز مرسل
علاقته الجزئية
*- أخطّ وأمحو: محسن بديعي نوعه طباق
الغرض منه يوضح المعنى ويُؤكّده ممّا يدلّ على إظهار عجزه عن الكتابة.
- أخُطّ وأمحو: بينهما تماثل صوتي في
عدد الحروف والحركات والسكنات.
*- إعوالي ونحيبي: إطناب نوعه ترادف في
المعنى يفيد التوكيد.
*- تسحّ وسحّ: محسن بديعي نوعه: جناس
التشابه - نغمة موسيقية
ثانياً:- حبّ ووفاء ( 4- 6)
4- أَيا فَوزُ لَو
أَبصَرتِني ما عَرَفتِني *** لِطولِ شُجُوْنِي بَعدَكُم وَشُحُوْبِي
فوز: محبوبة الشاعر- شجوني: أحزاني
(شجَن)- شحوبي: ضعف جسمي
5- وَأَنتِ مِنَ
الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُتْ *** فَلَيتَكِ مِن حُورِ الجِنانِ نَصيبي
حُور: نساء بيض (حوراء) والحَوَر
البياض - الجنان: النعيم جمع جنّة- نصيبي: حظّي
6- سَأَحفَظُ ما قَد
كانَ بَيني وَبَينَكُم *** وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
مشهدي: حاضري- مغيبي: غيابي- أرعاكم :
أعتني بكم.
الشرح: يستمر
الشاعر في استعطاف محبوبته بالشكوى إليها من ضعفه ونحوله لأن الحبّ برَى جسده رغم
ذلك مازال على العهد بينهما فهي نصيبه في الدنيا ويتمنّى أن تكون نصيبه في الآخرة،
حافظاً ما بينهما من وُدّ فهي باقية في ذكراه في حالتي الحضور والغياب.
التعبير والبلاغة:
*- أيا فوز: نداء لبيان مدى بعده عنها
يوحي بالاستعطاف.
*- لو أبصرتني ما عرفتني : أسلوب شرط
يفيد الإقناع (امتناع فعل الشرط سبب في امتناع جواب الشرط).
*- شجوني وشحوبي: واو العطف أفادت بجانب مطلق الجمع تنوع مصدر الضعف
والنحول.
*-شُجُوْنِي وَشُحُوْبِي: بينهما
تماثل صوتي في عدد الحروف والحركات والسكنات.
*- البيت الرابع كناية عن حالة السقم
والهُزال الذي أصابه بسبب الوجد.
والبيت الخامس والسادس كناية عن الحب
والوفاء.
2- إنْ أمُتْ فليتك.. أسلوب شرط جازم أداته
(إنْ) حرف يفيد حصول الشيء أو عدم حصوله، (حصول الموت قبل لقائها أو بعده).
- فليتكِ من حور الجنان نصيبي: أسلوب
إنشائي يفيد التمني.
3- مشهدي ومغيبي: طباق يؤكد المعنى
ويوضحه وهو العهد والوفاء في الحالتين
4- تكرار كلمة (نصيبي) يفيد التوكيد
وهو من الإطناب.
- نصيبي أفضل من حظي لأنّ الحب قد وقع بينهما والنصيب
يكون بعد معرفة الشيء أو قوعه، أمّا الحظ إذا لم يقع الشيء وكان مجهولاً.
5- سأحفظ: حرف التنفيس (السين) يفيد
التوكيد على إثبات حصول المضارع في المستقبل القريب عكسها حرف النفي (لا) التي
تفيد نفي حصول المضارع في المستقبل القريب.
ثالثاً:- الدعاء على الوُشاة
7- فَإِن يَكُ حالَ
الناسُ بَيني وَبَينَكُم *** فَإِنَّ الهَوى وَالوُدَّ غَيرُ مَشوبِ
حال: فرّق- الهوَى: الحب- الوُدّ:
المحبّة من التودد- مشوب: مُعكّر غير صافٍ وغير نقي
8- فَلا ضَحِكَ
الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم *** وَلا جَمَدتْ عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
الواشون: مفردها الواشي: النّمّام - جمدت: توقفت عن الدمع مضادها: سال
- سكوب: انصباب الدموع
شرح الأبيات:
يؤكد الشاعر لمحبوبته بقاءه على
الوُدّ بينهما مهما حاول الوشاة أن يفرقوا بينهما، داعياً عليهم بالشقاء والعناء
وطول البكاء.
التعبير والبلاغة:
*- البيت السابع كناية عن الإخلاص
والوفاء
*- فإن يك ... أسلوب شرط جازم أداته
(إنْ) تفيد الاحتمال وهذا ما يناسب تقلُّب الأحوال.
*- الهوى والود إطناب للتوكيد
*- يا فوز: أسلوب إنشائي- نداء للتعظيم
ورفع مكانتها أثناء دعائه على الوشاة.
*- جمدت وجرت: طباق يؤكد المعنى
ويوضحه
*- فلا ضحك الواشون: أسلوب إنشائي جاء
على صورة الخبر الغرض منه الدعاء على الوشاة.
- كذلك (ولا جمدت عين..) الغرض الدعاء
للمحبين بعدم توقف عيونهم عن البكاء.
*- جمدت: عاب النقاد على الشاعر
استخدامها هنا لأنّ جمود العين يدل على البخل.
رابعاً:- تطلُّع وأمل
9- وَإِنّي لَأَستَهدي
الرِياحَ سَلامَكُم *** إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
أستهدي: أطلب الإهداء- نحوكم:
اتّجاهكم- هبوب: اشتداد الرياح
10- فَأَسأَلُها حَملَ
السَلامِ إِلَيكُمُ *** فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
- بلَّغتْ: وصّلت
11- أَرى البَينَ
يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم** فَيا رَبُّ قَرِّبْ دارَ كُلِّ حَبيبِ
-البين: الفراق ضد الوصال
الشرح: ينتظر الشاعر هبوب الرياح من جهة المحبوبة ليطلب منها حمل
سلامه إليها ، لكي تردّ على سلامه بالمثل.
يرى الشاعر من خلال تجربته أن شكوى
الفراق والبعد حال المحبّين كلهم وليس بينه وبين محبوبته فقط، وفي النهاية يدعو
لهم جميعاً بالتلاقي ولمّ الشمل.
التعبير والبلاغة:
*- الأبيات كناية عن الشوق والحنين.
*- البيت (وإنّي لأستهدي..) والعاشر (فأسألها
حمل السلام..)
أسلوب خبري بما فيه من مؤكدات غرضه الإقرار وتثبيت المعاني
في ذهن السامع.
*- وإنّي لأستهدي: التوكيد بإنّ
واللام المزحلقة
- أستهدي: أفادت زيادة الهمزة والسين
والتاء الطلب في الفعل.
-إذا أقبلت.. أسلوب شرط غير جازم يفيد
التوكيد عكس (إنْ) الشرطية التي تفيد الشك والاحتمال.
- أرى: من أفعال اليقين تنصب مفعولين
الأول (البين) والثاني الجملة الفعلية (يشكوه).
- ياربّ: أسلوب إنشائي (صيغته) نداء
غرضه الدعاء.
- قرِّبْ: أسلوب إنشائي (صيغته) أمر
الغرض منه الدعاء.
- أسألها - فأجيبي : طباق يؤكد المعنى
ويوضحه وهو الوصل والتلاقي بينهما بعد طول انقطاع.
*- التصوير الفني:
- أستهدي الرياح أقبلت من نحوكم -
فأسألها - بلّغت.
استعارات مكنية حيث شبه الرياح بإنسان
يُستهدى ويَقدم ويُسأل ويُبلِّغ سر الجمال أو الغرض من الصورة التشخيص ، توحي
بالتلهف والاشتياق لسماع أخبار المحبوبة.
الموسيقا في النص:
1- الموسيقى
الخارجية (ظاهرة) وتتمثل في:
*- الوزن والقافية: القصيدة من البحر
الطويل (فعولن مفاعيلُن) والقافية يمثلها حرف الباء المُشبعة (بِي)
*- المحسنات البديعية مثل التصريع في
البيت الأول والجناس والطباق أخطّ وأمحو سبق ذكرها
2- الموسيقا
الداخلية (خفية): مثل الألفاظ ودلالتها ترابط الأفكار وتسلسلها وعمق
المعاني وحسن الصياغة والتصوير الفني كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل
وصدق العاطفة.
السمات الفنيّة في النص:
1- صدق العاطفة (تجربة ذاتية يعبر
فيها الشاعر عن عواطفه ومشاعره تجاه محبوبته بصدق وإخلاص دون زيف وتنمُّق).
2- سهولة الألفاظ وعذوبتها. 3- عمق المعاني
4- تنوُّع الأساليب بين الخبر
والإنشاء.
تنوع الأساليب تعبِّر عن العواطف الجيّاشة من مشاعر وأحاسيس وميل السامع ومشاركته تلك العواطف.
لُغوّيّات:
1- الأفعال ومصادرها
*-: مصدر ميمي:- مَشْهَد: وزن مَفْعَل
فعله (شهد)- مغيب: وزن مَفْعِل فعله (غاب).
- مصدر الفعل الثلاثي: هبوب:هبّ-
دُعاء فعله (دعا)- شحوب: شحب- الوُدّ: وَدّ- الهوَى: هوِيَ- شِدَّة: شَدَّ - سكوب:
سكب- نحيب: نحب صوت البكاء قياسي- أرَى: رأْياً ورُؤْية.
*- أفعال ثلاثية:- أخُطّ: خطّاَ- أمحو:
محواً- كتب كتابةً- عرفتني: معرفة وعرفان - تسحّ: سحّاً- أحفظ: حفظاً- أرعى:رعاية أسأل:
سؤال الهمزة الأولى همزة المضارعة لا تُحسب.
*- أفعال رباعية:- أجيببي: فعل رباعي
مصدره إجابة وزن (إفالة أو إفعلة)- أقيم: إقامة- أبصر: إبصار- أقبل: إقبال- بلّغ:
تبليغ - قرّب: تقريب
- أفعال سداسية:- استهدى: استهداء
2- المشتقات وأنواعها:
*- مشوق- مشوب: وزن (مَفْعُل) اسم
مفعول من الفعل الثلاثي الأجوف (شاق وشاب)
- الواشي: اسم فاعل فعله (وشي)
- الصفة المشبهة: - زَيْن - غريب -
حبيب - حُور (حوراء)-
- الدُنيا: اسم تفضيل مذكره (أدنَى)
علل:
1- برع الشاعر في فن الغزل العذري.
2- تنوع الأساليب بين الخبر والإنشاء في القصيدة.
3- النزعة الإنسانية في قول الأحنف:
أرى البين يشكوه المحبون كلهم** فيا ربّ قرّب دار كلّ حبيب
رابط إعراب النص على اليوتيوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/