(نكبة دمشق) 1925م
قال أحمد شوقي:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ ** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي ** جَلالُ
الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي ** إِلَيكِ
تَلَفُّتٌ أَبَداً وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي ** جِراحاتٌ لَها
في القَلبِ عُمقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ ** وَوَجهُكِ
ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري ** وَمِلءُ
رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ ** لَهُم في
الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ ** وَفي
أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ ** بِكُلِّ
مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ ** أُنوفُ
الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ ** أَبِيٍّ
مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ ** عَلى سَمعِ
الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ ** وَيُجمِلُها
إِلى الآفاقِ بَرقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها ** تُخالُ مِنَ
الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ ** وَقيلَ
أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئراً ** وَمُرضِعَةُ
الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ ** وَلَمْ
يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ ** لَها مِن
سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ ** وَأَرضُكِ
مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيْتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكاً ** غُبارُ
حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشَّامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ ** بَشائِرُهُ
بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها ** أَحَقٌّ
أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ ** وَهَل
لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
وَأَينَ دُمَى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ ** مُهَتَّكَةٍ
وَأَستارٍ تُشَقُّ
بَرَزْنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ ** وَخَلفَ
الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
إِذا رُمْنَ السَلامَةَ مِنْ طَريقٍ ** أَتَتْ مِنْ دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا ** وَراءَ
سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احْمَرَّ أُفقٌ ** عَلى
جَنَباتِهِ وَاسْوَدَّ أُفقُ
سَلي مَنْ راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ ** أَبَينَ
فُؤادِهِ وَالصَّخْرِِ فَرقُ
وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا ** قُلوبٌ
كَالحِجارَةِ لا تَرِِقُّ
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمَى فَرَنسا ** أَخو حَرْبٍ
بِهِ صَلَفٌ وَحُمْقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ ** يَقولُ عِصابَةٌ
خَرَجوا وَشَقّوا
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا ** وَتَعلَمُ
أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ
جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ ** كَمُنهَلِّ
السَماءِ وَفيهِ رِزقُ
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا ** وَزالوا دونَ
قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها ** فَكَيفَ
عَلى قَناها تُستَرَقُّ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني ** وَأَلقوا
عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا ** بِأَلقابِ
الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ ** كَما
مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي ** وَلا
يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ داراً ** وَلَكِن
كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ ** بَيانٌ
غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ ** فَإِن
رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ ** يَدٌ
سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا ** إِذا
الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا ** وَلا يُدني
الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ ** وَفي الأَسرى
فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ ** بِكُلِّ يَدٍ
مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ ** وَعِزُّ
الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ ** وَكُلُّ
أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ ** وَإِن
أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا
وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ ** كَيَنبوعِ
الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا
لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ ** مَوارِدُ
في السَحابِ الجُونِ بُلقُ
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ ** نِضالٌ
دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئاً ** فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/