شرح معلقة طرفة بن العبد للزوزني
1- لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ ببُرقَةِ ثَهْمَدِ *** تَلوحُ كباقي الوَشْمِ في ظاهر اليَدِ
خولة: اسم امرأة كلبية، ذكر ذلك
هشام بن الكلبي. الطلل: ما شخص من رسوم الدار، والجمع أطلال وطلول، البرقة والأبرق
والبرقاء: مكان اختلط ترابه بحجارة أو حصى، والجمع الأبارق والبراق والبرق
والبرقاوات، إذا حمل على معنى البقعة أو الأرض قيل البرقاء، وإذا حمل على المكان
أو الموضع قيل الأبرق. ثهمد: موضع. تلوح: تلمع، واللوح اللمعان. الوشم: غرز ظاهر
اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج، والفعل منه وشم يشم
وشْمًا، ثم جعل اسْمًا لتلك النقوش، وتجمع بالوشام والوشوم، ومنه قوله عليه الصلاة
والسلام: " لعن الله الواشمة والمستوشمة ". فالواشمة هي التي تشم اليد،
والمستوشمة هي التي يفعل بها ذلك، ثم تبالغ فتقول: وشَّم يوشِّم توشيمًا إذا تكرر
ذلك منه وكثر.
يقول: لهذه المرأة أطلال ديار بالموضع
الذي يخالط أرضه حجارة وحصى من ثهمد، فتلمع تلك الأطلال لمعان بقايا الوشم في ظاهر
الكف، شبه لمعان آثار ديارها ووضوحها بلمعان آثار الوشم في ظاهر الكف.
2- وُقوفاً بها صحبي على مَطِيِّهُمْ *** يَقولونَ لا
تَهْلِكْ أسىً وتَجَلّدِ
تفسير البيت كتفسيره في قصيدة امرئ
القيس، (تجلد بدل تجمّل)التجلد: تكلّف الجلادة وهو التصبر.
نصب وقوفًا
على الحال، يريد قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيهم علي، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود
والركوع في جمع شاهد وراكع، الصحب: جمع صاحب، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب
والصحابة والصحبة والصحبان، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضًا ثم يخفف فيقال الأصاحب.
المطي: المراكب، واحدتها مطية، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات، سميت
مطية؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها، وقيل: بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير، يقال:
مطاه يمطوه، فسميت به لأنها تمد في السير: نصب أسىً؛ لأنه مفعول له.
يقول:
قد وقفوا عليّ أي: لأجلي أو على رأسي وأنا قاعد عند رواحلهم ومراكبهم، يقولون لي: لا
تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجلّد بالصبر، وتلخيص المعنى: أنهم وقفوا عليه رواحلهم
يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع.
3- كأنَّ حُدوجَ المالِكِيّةِ غُدْوَةً *** خَلايا
سَفينٍ بالنَّوَاصِفِ من دَدِ
الْحِدج: مركب من مراكب النساء، والجمع حدوج وأحداج، والحِداجة مثله،
وجمعها حدائج. المالكية: منسوبة إلى بني مالك قبيلة من كلب. الخلايا: جمع الخلية
وهي السفينة العظيمة. السفين: جمع سفينة، ثم يجمع السفين على السفن، وقد يكون
السفين واحدًا، وتجمع السفينة على السفائن. النواصف: جمع الناصفة وهي أماكن تتسع
من نواحي الأودية مثال السكك وغيرها. دد، قيل: هو اسم واد في هذا البيت وقيل دد
مثل يد، ودداً مثل عصا، وددن مثل بدن، وهذه الثلاثة بمعنى اللهو واللعب.
يقول: كأن مراكب العشيقة المالكية غدوة فراقها بنواحي وادي دد سفن عظام،
شبه الإبل وعليها الهوادج بالسفن العظام، وقيل: بل حسبها سفنًا عظامًا من فرط لهوه
وولهه، وهذا إذا حملت ددًا على اللهو، وإن حملته على أنه واد بعينه فمعناه على
القول الأول.
4- عَدَوليَّةٌ أو مِنْ سَفِينِ ابن يَامِنٍ ***
يَجُورُ به الملاح طوراً ويهتدي
عدولي: قبيلة من أهل البحرين، وابن يامن: رجل من أهلها، وروى أبو
عبيدة: ابن نبتل، وهو رجل آخر منها. الْجَور: العدول عن الطريق، والباء هنا
للتعدية. الطور: التَّارة، والجمع الأطوار.
يقول: هذه
السفن التي تشبهها هذه الإبل من هذه القبيلة أو من سفن هذا الرجل، والملاح يجريها
مرة على استواء واهتداء، وتارة يعدل بها فيميلها عن سنن الاستواء، وكذلك الحداة،
تارة يسوقون هذه الإبل على سمت الطريق، وتارة يميلونها عن الطريق ليختصروا
المسافة، وخص سفن هذه القبيلة وهذا الرجل لعظمها وضخمها، ثم شبه سوق الإبل تارة
على الطريق وتارة على غير الطريق بإجراء الملاح السفينة مرة على سمت الطريق ومرة
عادلًا عن ذلك السمت.
5- يَشُقّ حَبابَ الْمَاءِ حَيْزُومُها بها *** كَمَا
قَسَمَ التّرْبَ الْمُفايلُ باليَدِ
حباب الماء: أمواجه، الواحدة حبابة. الحيزوم: الصدر، والجمع:
الحيازيم. الترب والتراب والترباء والتورب والتيرب والتيراب والتوراب واحد، ثم
يجمع التراب على أتربة وتربان وتربات، والتربة على الترب، ذكر هذا كله ابن
الأنباري. الفيال: ضرب من اللعب، وهو أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء، ثم يقسم
التراب نصفين، ويسأل عن الدفين في أيهما هو، فمن أصاب قمر ومن أخطأ قُمر. يقال:
فايل هذا الرجل يفايل مفايلة وفيالاً إذا لعب بهذا الضرب من اللعب، شبه شق السفن
الماء بشق المفايل التراب المجموع بيده.
6- وَفِي الْحَيّ أحوَى ينفضُ الْمَرْدَ شادنٌ ***
مُظاهرُ سِمْطَيْ لُؤلُؤ وزَبَرْجَدِ
الأحوى: الذي في شفتيه سمرة، والأنثى الحواء، والجمع الْحُوّ. وأيضًا
الأحوى ظبي في لونه حُوّة، والشادن أحوى لشدة سواد أجفانه ومقلتيه، قال الأصمعي:
الْحُوّة: حمرة تضرب إلى السواد، يقال: حوي الفرس مال إلى السواد، فعلى هذا شادن
صفة أحوى، وقيل: بدل من أحوى، وينفض المرد صفة أحوى. الشادن: الغزال الذي قوي
واستغنى عن أمه. المظاهر الذي لبس ثوبًا فوق ثوب أو درعًا فوق درع أو عقدًا فوق
عقد. السمط: الخيط الذي نظمت فيه الجواهر والجمع سموط.
يقول: وفي الحي
حبيب يشبه ظبيًا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك؛
لأنه يمد عنقه في تلك الحال، ثم صرح بأنه يريد إنسانًا، وقال: قد لبس عقدين أحدهما
من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء: في كحل العينين، وحوة
الشفتين، وحسن الجيد، ثم أخبر أنه مُتَحَلٍّ بعقدين من لؤلؤ وزبرجد.
7- خَذولٌ تُرَاعي رَبْرَبًا بِخَميلَةٍ *** تَناوَلُ
أَطْرَافَ البَريرِ وَتَرْتَدِي
خذول: أي خذلت أولادها. تراعي ربربًا. أي ترعى معه. الربرب: القطيع من
الظباء وبقر الوحش. الخميلة: رملة منبتة، قال الأصمعي: هي أرض ذات شجر، والجمع
الخمائل. البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ، الواحدة بريرة، الارتداء والتردي: لبس
الرداء.
يقول: هذه
الظبية التي أشبهها الحبيب ظبية خذلت أولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء
ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول أطراف الأراك وترتدي بأغصانه،
وإنما خص تلك الحال لمدها عنقها إلى ثمر الشجرة، شبه طول عنق الحبيب وحسنه بذلك.
8- وَتَبْسِمُ عن أَلْمَى كأنّ مُنَوّراً *** تَخَلّلَ
حُرّ الرّمْلِ دِعْصٍ له نَدِ
الألمى: الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد، والأنثى لمياء، والجمع
لُمْي، والمصدر اللَّمَى، والفعل لمي يلمى. البسم والتبسم والابتسام واحد. كأن
منورًا يعني أقحواناً منورًا، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه. نوَّر النبت
إذا خرج نوره فهو مُنوّر. حر كل شيء: خالصه. الدعص: الكثيب من الرمل، والجمع
الأدعاص. الندى يكون دون الابتلال، والفعل ندي يندى ندى، وندَّيته تندية.
يقول: وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نَوره في دعص
نَدٍ يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لا يخالطه تراب، وإنما جعله نديًّا ليكون
الأقحوان غضًّا ناضرًا، شبه به ثغرها وشرط لمى الشفتين ليكون أبلغ في بريق الثغر.
وشرط كون الأقحوان في دعص ند لما ذكرنا، وتقدير الكلام كأن به أقحواناً منورًا
تخلل دعص له نَدٍ حر الرمل ثغرها، فحذف الخبر.
9- سَقَتْهُ إياةُ الشّمْسِ إلَّا لِثاتِهِ *** أُسِفّ
وَلَمْ تَكْدِمْ عَليهِ بإثْمِدِ
إياة الشمس وإياها: شعاعها. اللثة: مغرز الأسنان، والجمع اللثات.
الإسفاف: إفعال من سففت الشيء أسفه سفًّا. الإثمد: الكحل. الكدم: العض. ثم وصف
ثغرها فقال: سقاه شعاع الشمس، أي: كأن الشمس أعارته ضوءها. ثم قال: إلا لثاته،
يستثني اللثات؛ لأنه لا يستحب بريقها. ثم قال: أُسِفّ عليه الإثمد، أي ذر الإثمد
على اللثة، ولم تكدم بأسنانها على شيء يؤثر فيها، وتقديره: أسف بإثمد ولم تكدم
عليه بشيء. ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد للمعان
الأسنان.
10- وَوَجهٍ كأنّ الشَّمس أَلْقَتْ رِداءها ***
عَلَيْهِ نَقيّ اللّوْنِ لَمْ يَتَخَدّدِ
التخدد: التشنج والتغضن.
يقول: وتبسم عن
وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ثم ذكر أن
وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن، وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة، وجر
الوجه عطفًا على ألمى.
11- وإني لأمْضي الْهَمّ عندَ احْتِضَارِهِ ***
بعَوْجاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي
الاحتضار والحضور واحد. العوجاء: الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط
نشاطها. المرقال: مبالغة مرقل من الإرقال: وهو بين السير والعدو.
يقول: وإني
لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب خبباً وتذمل ذميلاً
في رواحها واغتدائها، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار، وسير النهار بسير
الليل؛ يقول: وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها.
12- أمونٍ كَألْوَاحِ الإرانِ نَضَأتُها *** على لاحِبٍ
كأنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
الأمون: التي يؤمن عثارها. الإران: التابوت العظيم. نصأتها، بالصاد:
زجرتها ونسأتها، بالسين، أي: ضربتها بالمنسأة، وهي العصا. اللاحب: الطريق الواضح.
البرجد: كساء مخطط.
يقول: هذه
الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها في سيرها وعدوها وعظامها كألواح التابوت العظيم
ضربتها بالمنسأة على طريق واضح كأنه كساء مخطط في عرضه. يريد أنه يمضي همه بناقة
موثقة الخلق يؤمن عثارها. ثم شبه عرض عظامها بألواح التابوت، ثم ذكر سوقه إياها
بالعصا، ثم شبه الطريق بالكساء المخطط؛ لأن فيه أمثال الخطوط العجيبة.
13- جَمالِيّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها ***
سَفَنّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أَرْبَدِ
الجمالية: الناقة التي تشبه الجمل في وثاقة الخلق. الوجناء: المكتنزة
اللحم أخذت من الوجين وهي الأرض الصلبة، والوجناء العظيمة الوجنات أيضاً. الرديان:
عدو الحمار بين متمرغه وآرِيِّهِ، هذا هو الأصل ثم يستعار للعدو، والفعل ردى يردي.
السفنجة: النعامة. تبري: تعرض، والبري والانبراء واحد وكذلك التبري. الأزعر:
القليل الشعر. الأربد: الذي لونه لون الرماد.
يقول: أمضي همي
بناقة تشبه الجمل في وثاقة الخلق مكتنزة اللحم تعدو كأنها نعامة تعرض لظليم قليل
الشعر يضرب لونه إلى لون الرماد. شبه عدوها بعدو النعامة في هذه الحال.
14- تُبارِي عِتاقًا ناجِيَاتٍ وأَتْبَعَتْ *** وَظيفًا
وَظيفًا فوق مَورٍ مُعَبَّدِ
باريت الرجل: فعلت مثل فعله مغالبًا له. العتاق: جمع عتيق: وهو
الكريم. الناجيات: المسرعات في السير، نجا ينجو نَجًا ونجاء أي: أسرع في السير.
الوظيف: ما بين الرسغ إلى الركبة وهو وظيف كله. المور: الطريق. المعبّد: المذلل،
والتعبيد: التذليل والتأثير.
يقول: هي تباري
إبلًا كرامًا مسرعات في السير وتتبع وظيف رجلها وظيف يدها فوق طريق مذلل بالسلوك
والوطء بالأقدام والحوافر والمناسم في السير.
15- تَرَبّعَتِ القُفّينِ في الشّوْلِ تَرْتَعِي ***
حَدائِقَ مَوليّ الأسِرّةِ أغْيَدِ
التربع: رعي الربيع والإقامة بالمكان واتخاذه ربعاً. القف: ما غلظ من
الأرض وارتفع لم يبلغ أن يكون جبلًا، والجمع قفاف. الشول: النوق التي جفت ضروعها
وقلّت ألبانها، الواحدة شائلة، بالتاء لا غير. وأما الشول جمع شائل، من شال البعير
بذنبه إذا رفعه، يشول شولًا، ويقال: ناقة شائل وجمل شائل. والشول: الارتفاع،
ويعدّى بالباء، والإشالة: الرفع. الارتعاء: الرعي، إذا اقتصر على مفعول واحد عنى
الرعي. الحدائق: جمع حديقة وهي كل روضة ارتفعت أطرافها وانخفض وسطها. الحديقة:
البستان أيضًا، سميت بها لإحداق الحائط بها، والإحداق الإحاطة المولي: الذي أصابه
الولي وهو المطر الثاني من أمطار السنة، سمي به لأنه يلي الأول، والأول الوسمي،
سمي به لأنه يسم الأرض بالنبات، يقال: ولي المكان يولى فهو مولي إذا مطر الولي. سر
الوادي وسرارته. خيره وأفضله كلأ، والجمع الأسرة والسرار. الأغيد: الناعم الخلق،
وتأنيثه غيداء، والجمع الغِيد، ومصدره الغَيَد.
يقول: قد رعت
هذه الناقة أيام الربيع كلأ القفين، وأراد بهما قفين معروفين، بين نوق جفّت ضروعها
وقلت ألبانها، ترعى هي حدائق واد قد وليت أسرّتها وهو مع ذلك ناعم التربة، وصف
الناقة برعيها أيام الربيع ليكون ذلك أوفر للحمها وأشد تأثيرًا في سمنها، ثم وصفها
بأنها كانت في صواحب لها، وهي إذا رأت صواحبها ترعى كان ذلك أدعى إلى الرعي، ثم
وصف مرعاها بأنه في واد اعتادته الأمطار وهو مع ذلك طيب التربة، وقوله: حدائق مولي
الأسرّة، تقديره وحدائق واد مولي الأسرّة فحذف الموصوف ثقة بدلالة الصفة عليه.
16- تَرِيعُ إلى صَوْتِ الْمُهيبِ وَتَتّقِي *** بذي
خُصَلٍ رَوْعاتِ أكلَفَ مُلبدِ
الريع: الرجوع والفعل راع يريع-الإهابة: دعاء الإبل وغيرها، يقال:
أهاب ناقته إذا دعاها. الاتقاء: الحجز بين شيئين، يقال: اتَّقى قرنه بترسه إذا جعل
حاجزًا بينه وبينه، وقوله: بذي خصل، أراد بذنب ذي خصل، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة
الصفة عليه، والخصل جمع خصلة من الشعر وهي قطعة منه. الروع: الإفزاع، والروعة فعلة
منه، وجمعها الروعات. الأكلف. الذي يضرب إلى السواد. الملبد: ذو وبر متلبد من
البول والثلط وغيره. روعات أكلف أي: روعات فحل أكلف، فحذف الموصوف.
يقول: هي ذكية
القلب ترجع إلى راعيها وتجعل ذنبها حاجزًا بينها وبين فحل تضرب حمرته إلى السواد
متلبد الوبر، يريد أنها لا تمكنه من ضرابها وإذا لم يصل الفحل إلى ضرابها لم تلقح،
وإذا لم تلقح كانت مجتمعة القوى وافرة اللحم قوية على السير والعدو.
17- كأنّ جَناحَي مَضْرَحيٍّ تَكَنّفَا *** حِفافيهِ
شُكَّا في العَسيبِ بِمَسْرَدِ
المضرحي: الأبيض من النسور، وقيل: هو العظيم منها. التكنف: الكون في
كنف الشيء وهو ناحيته. الحفاف: الجانب، والجمع الأحفة. الشك: الغرز. العسيب: عظم
الذنب، والجمع العُسُب. والمسرد المسراد: الإشفى، والجمع المسارد والمساريد.
يقول: كأن جناحي نسر أبيض غرزاً بإشفى في عظم ذنبها فصارا في ناحية، شبه
شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض في الباطن.
18- فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً *** على
حَشَفٍ كالشّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ
قوله: فطوراً به، يعني فطورًا تضرب بالذنب، الزميل: الرَّديف، الحشف:
الأخلاف التي جف لبنها فتشنجت، الواحدة حشفة، وهو مستعار من حشف التمر أو من
الحشيف وهو الثوب الخلِق. الشنّ: القربة الخلق، والجمع الشنان. الذوي: الذبول،
والفعل ذوى يذوي وذوي يذوى لغة أيضاً. المجدد الذي جُدّ لبنه أي قطع.
يقول: تارة
تضرب هذه الناقة ذنبها على عجزها خلف رديف راكبها وتارة تضرب على أخلاف متشنجة
خلقة كقربة بالية وقد انقطع لبنها.
19- لها فَخِذَانٍ أُكْمِلَ النّحْضُ فيهما ***
كَأَنَّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ
النحض: اللحم. وقوله بابا منيف، أي: بابا قصر منيف، فحذف الموصوف
والمنيف: العالي، والإنافة العلو. الممرد: المملس، من قولهم: وجه أمرد وغلام أمرد
لا شعر عليه، وشجرة مرداء لا ورق لها، والممرد المطول أيضًا، وقد أُوِّل قوله
تعالى: "صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِير". بهما.
يقول: لهذه
الناقة فخذان أكمل لحمهما فشابها مصراعي باب قصر عالٍ مملس أو مطوّل في العرض
20- وَطَيٍّ مَحالٍ كالْحَنيّ خُلُوفُهُ ***
وأَجْرِنَةٌ لُزّتْ بدَأيٍ مُنَضَّدِ
الطي: طي البئر، المحال: فقار الظهر، الواحدة: محالة وفقارة، الحني:
القسي الواحدة: حنية وتُجمع أيضاً على حنايا، الخلوف: الأضلاع، الواحدة: الخلف،
الأجرِنة: جمع جران وهو باطن العُنُق، اللّز: الضّم، الدأي: خرز الظهر والعنق،
الواحدة: دأية وتُجمع على: الدأيات، التنضيد مبالغة النّضد وهو وضع الشيء على
الشيء، والمُنَضَّد أشد من المنضود.
يقول: لها فقار
مطويّة متراصفة مُتداخلة كأنّ الأضلاع المتصلة بها قسيّ وله باطن عنُق ضم وقرن إلى
خرز عنق قد نضد بعضه على بعض.
21- كأنّ كِناسَيْ ضالةٍ يُكنِفانِها *** وأَطرَ
قِسِيٍّ تحت صُلْبِ مُؤيَّدِ
الكناس: بيت يتخذه الوحش في أصل شجرة، والجمع الكنس وقد كنس الوحش
يكنس كنساً وكنوساً، دخل كناسه، الضال: ضرب من الشجر وهو الدر البري، الواحدة:
ضالة، كنفت الشيء: صرت في ناحيته، أكنفه كنفاً والكنف: الناحية، الجمع: الأكناف،
الأطر: العطف والجمع: الاقتطرار الانعطاف، المؤيد: المقوي، والتأييد التقوية، من
الأيد والأدّ وهما التقوية،
شبه إبطيها في السعة ببيتين من بيوت الوحش في أصل شجرة، وشبه أضلاعها
بقسيّ معطوفة.
يقول: كأنّ
بيتين من بيوت الوحش في أصل ضالة صارا في ناحيتي هذه الناقة وقسيّاً معطوفة تحت صلب
مقوَّى، وسعة الإبط أبعد لها من العثار، لذلك مدحها بها.
22- لها مِرْفقانِ أفْتلانِ كأنّها *** تمرُّ بِسلْمَيْ
دالجٍ مُتَشدِّدِ
الأفتل: القوي الشديد تأنيثها فتلاء، السلم: الدلو لها عروة واحدة مثل
دِلاء السّقّائين
الدالِج: الذي يأخذ الدلو من البئر فيفرغها في الحوض، التشدّد
والاشتداد والشدّة واحد، يُقال: شدّ يشد شدّة إذا قوي، والباء في قوله: تمرّ
بسلمَي للتعدية ويجوز أن تكون بمعنى مع أيضاً.
يقول: لهذه
الناقة مرفقان قويان بائنان عن جنبيها فكأنّها تمر مع دلويين من دلاء الدالجين الأقوياء،
شبهها بسقَّاء حمل دلوين إحداهما بيمناه والأخرى بيسراه فبانت يداه عن جنبيه، شبّه
بُعد مرفقيها عن جنبيها ببعد هاتين الدلوين عن جنبي حاملهما القوي الشديد.
23- كَقَنْطَرَةِ الرّوميّ أَقْسَمَ رَبّها ***
لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بقَرْمَدِ
القرمد: الآجر وقيل هو الصاروج الواحدة قرمدة، الاكتناف: الكون في
أكناف الشيء وهي نواحيه، شبه الناقة في تراصف عظامها وتداخل أعضائها بقنطرة تبنى
لرجل رومي قد حلف صاحبها ليحاطنّ بها حتى ترفع أو تجصص بالصاروج أو بالآجر،
الشَّيْد: الرفع والطالي بالشيد وهو الجص، قوله: كقنطرة الرومي، أي كقنطرة الرجل
الرومي وقوله لتكتنفن، أي والله لتكتنفن.
24- صُهابيّةُ العُثْنُونِ مُوجَدَةُ القَرَا … بعيدةُ
وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ
العثنون: شعرات تحت لحيها الأسفل. يقول: فيها صهبة أي: حمرة. القرا:
الظهر، والجمع الأقراء. الموجدة: المقوَّاة، والإيجاد التقوية، ومنه قولهم: بعير
أجد، أي: شديد الخلق قوي. الوخد والوخدان والوخيد: الذميل، والفعل وَخَدَ يَخِد.
المور: الذهاب والمجيء. والموّارة مبالغة المائرة، وقد مارت تمور مورًا فهي مائرة.
يقول: في
عثنونها صهبة وفي ظهرها قوة وشدة، ويبعد ذميل رجليها ومور يديها في السير، ويجوز
جر صهابية العثنون على الصفة لعوجاء. ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره:
هي صهابية العثنون.
25 - أُمِرَّتْ يَداها فَتْل شَزْرٍ وأُجْنِحتْ ***
أُلها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ
الإمرار: إحكام الفتل. الفتل الشزر: ما أدير عن الصدر، والنظر الشزر
والطعن الشزر، ما كان في أحد الشقين. الإجناح: الإمالة، والجنوح الميل، السقف
والسقيف واحد والجمع السُقُف. المسند: الذي أسند بعضه إلى بعض.
يقول:
فتلت يداها فتلًا بعدتا به عن كركرتها، وأميلت عضداها تحت جنبين كأنهما سقف أسند
بعض لبنه إلى بعض.
26- جَنوحٌ دِفاقٌ عَنْدَلٌ ثُمَّ أُفْرِعَتْ *** لها
كَتِفاها في مُعالَىً مُصَعَّدِ
الجنوح مبالغة الجانحة: وهي التي تميل في أحد الشقين لنشاطها في
السير. الدِفاق: المندفقة في سيرها أي المسرعة غاية الإسراع. العندل: العظيمة
الرأس. الإفراع: التعلية، يقال: فرعت الجبل أفرعه فرعًا إذا علوته، وتفرعته أيضًا
وأفرعته غيري أي: جعلته يعلوه، المعالاة والإعلاء والتعلية واحد، والتصعيد مثلها.
يقول: هذه الناقة شديدة الميلان عن سمت الطريق لفرط نشاطها في السير مسرعة
غاية الإسراع عظيمة الرأس، وقد عليت كتفاها في خلق معالي مصعَّد. وقوله: في معالى،
يريد في خلق معالى أو ظهر معالى، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه. ويجوز في
الجنوح الرفع والجر على ما مر.
27- كَأنّ عُلوبَ النِّسْعِ في دَأَيَاتِها ***
مَوَارِدُ من خلقاء في ظهرِ قَرْدَدِ
العلب: الأثر، والجمع العلوب، وقد علبت الشيء علبًا إذا أثَّرْت فيه.
والنَّسْع: سير كهيئة العنان تشد به الأحمال، وكذلك النسعة، والجمع الأنساع
والنسوع والنُّسْع. الموارد: جمع المورد وهو الماء الذي يورد. الخلقاء: الملساء،
والأخلق الأملس، وأراد من خلقاء، أي من صخرة خلقاء، فحذف الموصوف. القردد: الأرض
الغليظة الصلبة التي فيها وهاد ونجاد.
يقول: كأن آثار النسع في ظهر هذه الناقة وجنبيها نقر فيها ماء من صخرة ملساء
في أرض غليظة متعادية فيها وهاد ونجاد. شبه آثار النسع أو الأنساع بالنقر التي فيها الماء في بياضها. وجعل
جنبها صلبًا كالصخرة الملساء، وجعل خلقها في الشدة والصلابة كالأرض الغليظة.
28- تَلاقَى
وأحيانًا تبين كأنّها *** بَنَائِقُ غُرٌّ في قميصٍ مُقَدَّدِ
شرح هذا البيت من كتاب (شرح المعلقات التسع للشيباني )
وليس للزوزني.
"تلاقي أحيانا، تجتمع وأحيانا
تتفرق، يعني هذه الموارد يكون بعضها يلي بعضا، ويتصل بعضها ببعض، والبنائق جميع
بنيقة كأنها دخاريص قميص، والغر: البيض، والمقدد: المشقق.
وقال أحمد بن عبيدة: تلاقى يعني
الحبال والآثار، إذا انفكت إلى العُرا التقت رؤوسها، وإذا ارتفعت إلى الرحل
تباينت، وخص الدخاريص لدقة رؤوسها، وسعة أسافلها، فأراد أن الآثار مما يلي الحلق
دقيقة وما يلي ذلك من الرحل الواسع، لأن الحلق تجمع الحبال فيدق الأثر".
29- وَأتلَعُ نَهّاضٌ إذا صَعّدَتْ بِهِ *** كَسُكَّانِ
بوصيٍّ بدِجلَةَ مُصْعِدِ
الأتلع: الطويل العنق. النهّاض:
مبالغة الناهض. البوصي: ضرب من السفن، السُّكان: ذنب السفينة.
يقول: هي طويلة
العنق فإذا رفعت عنقها أشبه ذنب سفينة في دجلة تصعد. قوله: إذا صعدت به أي:
بالعنق، والباء للتعدية، جعل عنقها طويلًا سريع النهوض ثم شبهه في الارتفاع
والانتصاب بسكان السفينة في حال جريها في الماء.
30- وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ العَلاةِ كأنَّما *** وَعى
الْمُلتَقى منها إلى حرْفِ مِبْرَدِ
الوعي: الحفظ والاجتماع والانضمام، وهو في البيت على المعنى الثاني.
الحرف: الناحية، والجمع الأحرف والحروف.
يقول: ولها
جمجمة تشبه العلاة في الصلابة فكأنما انضم طرفها إلى حد عظم يشبه المبرد في الحدة
والصلابة. الملتقى: موضع الالتقاء وهو طرف الجمجمة لأنه يلتقي به فَراش الرأس.
31- وَخَذٌّ كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ *** كَسِبْتِ
اليَماني قِدُّهُ لم يُحَرَّدِ
قوله: كقرطاس الشآمي يعني كقرطاس الرجل الشآمي، فحذف الموصوف اكتفاء
بدلالة الصفة. المشفر للبعير: بمنزلة الشفة للإنسان، والجمع المشافر. السبت: جلود
البقر المدبوغة بالقرظ، وقوله: كسبت اليماني، يريد كسبت الرجل اليماني، التحريد:
اضطراب القطع وتفاوته.
شبه خدها في الانملاس بالقرطاس ومشفرها بالسبت في اللين واستقامة
القطع.
32- وعينان كَالماوِيّتَينِ اسْتَكَنّتا *** بكهفَيْ
حجاجَيْ صَخرَةٍ قَلتِ موْرِدِ
الماوية: المرآة. الاستكنان: طلب الكن. الكهف: الغار. الحجاج:
العُظَيْم
المشرف على العين الذي هو منبت شعر الحاجب، والجمع الأحجّة. القلت:
النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء، والجمع القلات. المورد: الماء هنا.
يقول: لها
عينان تشبهان مرآتين في الصفاء والنقاء والبريق، وتشبهان ماء في القلت في الصفاء،
وشبه عينيها بكهفين في غؤورهما، وحجاجيها بالصخرة في الصلابة. قول: حجاجي صخرة أي:
حجاجين من صخرة كقولهم: باب حديد أي: باب من حديد.
33- طَحورانِ عُوّارَ القَذَى فَتَرَاهُما ***
كَمَكْحُولَتَيّ مذعورَةٍ أمِّ فَرْقَدِ
الطرح والطحر والدحر واحد، والطحور مبالغة الطاحر، والفعل طحر يطحر.
العوار والقذى واحد، والجمع العواوير، أراد بالمكحولتين العينين، لا تكحل بقر
الوحش ولكن العين محل الكحل على الإطلاق. الذعر: الإخافة، الفرقد: ولد البقر
الوحشية، والجمع الفراقد.
يقول: عيناها
تطرحان وتبعدان القذى عن أنفسهما ثم شبههما بعيني بقرة وحشية لها ولد وقد أفزعها
صائد أو غيره. وعين الوحشية في هذه الحالة أحسن ما تكون.
34- وصَادِقتا سَمْعِ التّوَجّسِ للسُّرَى *** لِهَجْسٍ
خفيٍّ أو لصَوتٍ مَنَدِّدِ
التوجس: التسمّع. السُّرى: سير الليل. الهجس: الحركة. التنديد: رفع
الصوت.
يقول: ولها
أذنان صادقتا الاستماع في حال سير الليل لا يخفى عليهما السر الخفي ولا الصوت
الرفيع.
35- مُؤلَّلَتانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهِما ***
كَسَامِعَتَيْ شاةٍ بِحَوْمَلَ مُفْرَدِ
التأليل: التحديد والتدقيق من الآلة وهي الحربة وجمعها آل وإلال، وقد
ألَّه يؤلّه ألًّا إذا طعنه بالآلة، والدقة والحدة تحمدان في آذان الإبل. العتق:
الكرم والنجابة. السامعتان: الأذنان. الشاة: الثور الوحش. حومل: موضع بعينه.
يقول: لها
أذنان محددتان تحديد الآلة تعرف نجابتها فيهما، وهي كأذني ثور وحشي منفرد في
الموضع المعين، وخص المفرد لأنه أشد فزعًا وتيقظًا واحترازاً.
36- وَأَرْوَع نَبّاضٌ أحذُّ مُلَمْلَمٌ *** كمِرْداةِ
صَخْرٍ في صَفيحٍ مصَمَّدِ
الأروع: الذي يرتاع لكل شيء لفرط ذكائه، النباض: الكثير الحركة،
مبالغة النابض من نبض ينبض نبضانًا، الأحذ: الخفيف السريع، الململم: المجتمع الخلق
الشديد الصلب، المرداة: الصخرة التي تكسر بها الصخور، الصفيحة: الحجر العريض،
والجمع الصفائح والصفيح، المصمَّد: المحكم الموثق.
يقول: لها قلب
يرتاع لأدنى شيء لفرط ذكائه، سريع الحركة خفيف صلب مجتمع الخلق، يشبه صخرة يكسر
بها الصخور في الصلابة فيما بين أضلاع تشبه حجارة عراضاُ موثقة محكمة، شبه القلب
بين الأضلاع بحجر صلب بين حجارة عراض. وقوله: كمرداة صخر، أي كمرداة من صخر، مثل
قولهم: هذا ثوب خَزّ. وقوله: في صفيح، أي فيما بين صفيح. والمصمّد نعت للصفيح على
لفظه دون معناه.
37- وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من الأنْفِ مارِنٌ *** عَتيقٌ
متى تَرْجُمْ به الأرضَ تَزْدَدِ
الأعلم: المشقوق الشفة العليا. المخروت: المثقوب، والخرت الثقب.
المارِنُ: ما لان من الأنف.
يقول: ولها
مشفر مشقوق، ومارن أنفها مثقوب، وهي عندما ترمي الأرض بأنفها ورأسها تزداد في
سيرها.
38- وإنْ شئتُ لَمْ تُرْقِل وإنْ شئتُ أرْقلتْ ***
مَخافَةَ مَلْوِيٍّ مِنَ القَدّ مُحصَدِ
الإرقال: دون العدو وفوق السير، والإحصاد: الإحكام والتوثيق.
يقول: هي
مذلَّلة مروَّضة، فإن شئت أسرعت في سيرها، وإن شئت لم تسرع مخافة سوط ملوي من القد
موثق.
39- وإنْ شئتُ سامى وَاسطَ الكورِ رَأْسُها ***
وعَامَتْ بضَبعَيها نجاءَ الْخَفَيْدَدِ
المساماة: المباراة في السمو وهو العلو. الكور: الرَّحل بأداته،
والجمع الأكوار والكيران، وواسطه له كالقربوس للسرج. العوم: السباحة. والفعل: عام
يعوم عومًا. الضبع: العضد. النجاء: الإسراع. الخفيدد: الظليم، ذكر النعام.
يقول: إن شئت
جعلت رأسها موازيًا لواسط رحلها في العلو من فرط نشاطها وجذبي زمامها إلَيّ،
وأسرعت في سيرها حتى كأنها تسبح بعضديها إسراعًا مثل إسراع الظليم.
40- على مِثْلِهَا أمْضي إذا قالَ صاحبي *** ألا
لَيْتَنِي أفديكَ منها وأفْتَدِي
يقول: على مثل
هذه الناقة أمضي في أسفاري حتى بلغ الأمر غايته، يقول صاحبي: ألا ليتني أفديك من
مشقة هذه الشقة فأخلصك منها وأنجي نفسي.
41- وجاشَتْ إلَيْهِ النفسُ خوفًا وَخاله *** مُصَابًا
وَلَوْ أمسَى على غيرِ مَرْصَدِ
خاله: أي ظنه، والخيلولة الظن. المرصد: الطريق، والجمع المراصد، وكذلك
المرصاد. يقول: وارتفعت نفسه أي زال قلبه عن مستقره لفرط خوفه فظنه هالكًا وإن
أمسى على غير الطريق.
يقول: إن صعوبة
هذه الفلوات جعلته يظن أنه هالك، وإن لم يكن على طريق يخاف قطاع الطريق.
42- إِذَا القوْمُ قالوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أَنَّني
*** عُنيتُ فلَمْ أكسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ
يقول: إذا
القوم قالوا من فتى يكفي مُهِمًّا أو يدفع شرّاً؟ خلت أنني المراد بقولهم فلم أكسل
في كفاية المهم ودفع الشر ولم أتبلد فيهما. وعنيت من قولهم: عنى يعني عنياً بمعنى
أراد، ومنه قولهم: يعني كذا أي يريده، وأيش تعني بهذا أي أيش تريد بهذا، ومنه
المعنى وهو المراد، والجمع المعاني.
43- أَحَلْتُ عَلَيْها بالقَطيعِ فَأَجْذَمتْ ***
وَقَدْ خَبّ آلُ الأَمْعَزِ الْمُتَوَقِّدِ
الإحالة: الإقبال هنا. القطيع: السوط، الإجذام: الإسراع في السير.
الآل: ما يُرى شبه السراب طرفي النهار، والسراب ما كان نصف النهار، الأمعز: مكان
يخالط ترابه حجارة أو حصى، وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل المعزاء، والجمع
الأماعز.
يقول: أقبلت على
الناقة أضربها بالسوط، فأسرعت في السير في حال خبب آل الأماكن التي اختلطت بتربتها
بالحجارة والحصى.
44- فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَةُ مَجْلِسٍ *** تُرِي
رَبّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ
الذيل: التبختر، والفعل ذال يذيل، الوليدة: الصبية والجارية، وهي في
البيت بمعنى الجارية. السحل: الثوب الأبيض من القطن وغيره.
يقول: فتبخترت
هذه الناقة كما تتبختبر جارية ترقص بين يدي سيدها فتريه ذيل ثوبها الأبيض الطويل
في رقصها، شبّه تبخترها في السير بتبختبر الجارية في الرقص وشبّه طول ذنبها بطول
ذيلها.
45 - وَلَسْتُ بِحَلَّالِ التِّلَاعِ مَخَافَةً ***
وَلكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القوْمُ أرْفِدِ
الْحَلَّال: مبالغة الحال من الحلول. التلعة: ما ارتفع من مسيل الماء
وانخفض عن الجبال إلى قرار الأرض، والجمع التلعات والتلاع. الرفد والإرفاد.
الإعانة، والاسترفاد الاستعانة.
يقول: أنا لا
أحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء إياي، ولكني أعين القوم إذا
استعانوا بي إما في قِرى الأضياف، وإما في قتال الأعداء والحساد.
46- فإنْ تَبْغِنِي فِي حَلقَةِ القَوْمِ تلقَنِي ***
وَإنْ تَقْتَنصني في الْحَوانيت تصْطَدِ
البغاء: الطلب، والفعل بغى يبغي. الحلقة تجمع على الْحَلَق بفتح الحاء
واللام، وهذا من الشواذ، وقد تجمع عى الْحِلَق مثل بدرة وَبِدَر وثَلَّة وَثِلَل.
الحانوت، بيت الخمار، والجمع الحوانيت. الاصطياد: الاقتناص .
يقول: وإن تطلبني في محفل القوم تجدني هناك، وإن تطلبني
في بيوت الخمارين تصطدني هناك. يريد أن يجمع بين الجد والهزل.
47- وإنْ يَلْتَقِ الْحَيُّ الْجَميعُ تُلاقِني *** إلى
ذِرْوَةِ البَيتِ الشَّرِيفِ الْمُصَمَّدِ
الصمد: القصد، والفعل صمد يصمد، والتصميد مبالغة الصمد.
يقول: وإن
اجتمع الحي للافتخار تلاقني أنتمي وأعتزي إلى ذروة البيت الشريف أي إلى أعلى
الشرف. يريد أنه أوفاهم حظًّا من الحسب وأعلاهم سهمًا من النسب، قوله: تلاقني إلى،
يريد أعتزي إلى، فحذف الفعل لدلالة الحرف عليه.
48- ندامايَ بيضٌ كالنّجومِ وَقَيْنَةٌ *** تَرُوحُ
علينا بين بُرْدٍ وَمُجْسَدِ
الندامى: جمع الندمان وهو النديم، وجمع النديم ندام وندماء، وصفهم
بالبياض تلويْحًا إلى أنهم أحرار ولدتهم حرائر، ولم تعرف الإماء فيهم فتورثهم
ألوانهن، أو وصفهم بالبياض لإشراق ألوانهم وتلألؤ غررهم في الأندية والمقامات، إذ
لم يلحقهم عار يعيرون به فتتغير ألوانهم لذلك، أو وصفهم بالبياض لنقائهم من
العيوب؛ لأن البياض يكون نقيًّا من الدرن والوسخ، أو لاشتهارهم، لأن الفَرَس الأغر
مشهور فيما بين الخيل. والمدح بالبياض في كلام العرب لا يخرج من هذه الوجوه،
القينة: الجارية المغنية، والجمع القينات والقيان. المجسد: الثوب المصبوغ بالجساد
وهو الزعفران. ويقال: بل هو الثوب الذي أشبع صبغه فيكاد يقوم من إشباع صبغة،
والْمِجسد لغة فيه، وقال جماعة من الأئمة: بل الْمِجسد الثوب الذي يلي الجسد،
والْمُجسد ما ذكرنا، والجمع المجاسد.
يقول: نداماي أحرار كرام تتلألأ ألوانهم وتشرق وجوههم، ومغنية تأتينا
رواحاً لابسة برداً أو ثوبًا مصبوغًا بالزعفران أو ثوباً مشبع الصبغ.
49- رَحيبٌ قِطابُ الْجَيبِ منْها رَفِيقَةٌ *** بِجَسّ
النّدامَى بَضّةُ الْمُتَجَرّدِ
الرحب والرحيب واحد، والفعل رَحَبَ رَحَبًا ورحابة ورُحْبًا، قطاب
الجيب
مخرج الرأس منه، الغضاضة والبضاضة: نعومة البدن ورقة الجلد. والفعل
غضّ يغَضّ وبض يبَضّ. المتجرد: حيث تجرد أي تعرى.
يقول: هذه
القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى أيديهم في جيبها للمسها، ثم قال: هي رفيقة على
جسّ الندامى إياها، وما يعرى من جسدها ناعم اللحم رقيق الجلد صافي اللون. والجس: اللمس،
والفعل جس يجس جسّاً.
50- إذا نحنُ قُلْنَا أَسْمعينا انْبَرت لَنا *** على
رِسْلِها مَطُْروقَةً لَمْ تَشَدَّدِ
أسمعينا: أي غنينا. البري والانبراء والتبري: الاعتراض للشيء والأخذ
فيه. على رسلها، أي: على تَؤُدتها ووقارها. المطروقة: التي بها ضعف ويروى مطروفة
وهي التي أصيب طرفها بشيء أي: كأنها أصيب طرفها لفتور نظرها.
يقول: إذا
سألناها الغناء عرضت تغنينا متئدة في غنائها على ضعف نغمتها لا تشدد فيها، أراد لم
تتشدد فحذف إحدى التاءين استثقالًا لهما في صدر الكلمة، ومثله: "تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَة"، "نَارًا تَلَظَّى"، "فَأَنْتَ عَنْهُ
تَلَهَّى". وما أشبه ذلك.
51- إذا رَجّعَتْ فِي صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَها ***
تَجاوُبَ أظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِ
الترجيع: ترديد الصوت وتغريده. الظئر: التي لها ولد، والجمع الأظآر،
الربع من ولد الإبل: ما ولد في أول النَّتاج. الردى: الهلاك والفعل ردي يردى،
والإرداء الإهلاك، والتردِّي مثل الردى.
يقول: إذا طربت
في صوتها ورددت نغمتها حسبت صوتها أصوات نوق تصيح عند جؤارها على هالك، شبه صوتها
بصوتهن في التخزين، ويجوز أن يكون الأظآر النساء، والربع مستعار لولد الإنسان،
فشبه صوتها في التحزين والترقيق بأصوات النوادب والنوائح على صبي هالك.
52- ومَا زَالَ تَشْرَابِي الْخُمورَ وَلَذّتِي ***
وَبَيْعِي وإنْفاقي طَريفي ومُتْلَدي
التشراب: الشرب، وتفعال من أوزان المصادر
مثل التقتال بمعنى القتل التنقاد بمعنى النقد، الطريف والطارف: المال الحديث. التليد
والتلاد والمتلد: المال القديم الموروث.
يقول: لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع
الأعلاق النفيسة وإتلافها حتى كأن هذه الأشياء لي بمنزلة المال المستحدث والمال الموروث،
يريد أنه التزم القيام بهذه الأشياء لزوم غيره القيام باقتنائه المال وإصلاحه.
53- إلى أنّ تحامَتْني العشيرة كُلّها
*** وَأُفْرِدْتُ إِفْرادَ البَعيرِ الْمُعَبَّدِ
التَّحامي: التجنب والاعتزال، البعير المعبّد:
المذلل المطلي بالقطران، والبعير يستلذ ذلك فيذل له.
يقول: فتجنبتني عشيرتي كما يتجنب البعير المطلي
بالقطران. وأفردتني لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات.
54- رَأَيْتُ بَني غَبَراءَ لا يُنْكِرُونَني
*** وَلا أهْلُ هذاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ.
الغبراء: صفة الأرض جعلت كالاسم لها. الطِّراف:
البيت من الأدم، والجمع الطّروف، وكنَّى بتمديده من عِظَمه.
يقول: لما أفردتني العشيرة رأيت الفقراء الذين
لصقوا بالأرض من شدة الفقر لا ينكرون إحساني وإنعامي عليهم، ورأيت الأغنياء الذين لهم
بيوت الأدم لا ينكرونني لاستطابتهم صحبتي ومنادمتي.
يقول: إن هجرتني الأقارب وصلتني الأباعد، وهم
الفقراء والأغنياء، فهؤلاء لطلب المعروف وهؤلاء لطلب العلا.
55- ألا أيّهَذَا اللّائمي أَحْضُرَ الوَغَى
***وأن أشهد اللذاتِ هل أنتَ مخلدي؟
الوغى: أصله صوت الأبطال في الحرب ثم جعل
اسْمًا للحرب. الخلود: البقاء والفعل خلد يخلد، والإخلاد والتخليد الإبقاء.
يقول: ألا أيها الإنسان الذي يلومني على حضور
الحرب وحضور اللذات هل تخلدني إن كففت عنها؟.
56- فإنْ كنتَ لا تَسْطيعُ دَفْعَ مَنيّتي
*** فَدَعني أبادِرْها بما مَلَكَتْ يدي
اسطاع يسطيع، لغة في استطاع.
يقول: فإن كنت لا تستطيع أن تدفع موتي عني فدعني
أبادر الموت بإنفاق أملاكي، يريد أن الموت لا بدّ منه فلا معنى للبخل بالمال وترك اللذات
وامتناع الذوق.
57- وَلَوْلَا ثَلَاثٌ هُنّ من عيشَة
الفَتى *** وَجَدِّكَ لم أحفِلْ متى قامَ عُوّدي
الْجَدّ: الحظ والبخت، والجمع الجدود وقد
جد الرجل يجد جدًّا فهو جديد وجُدَّ يَجُدُّ جدًّا فهو مجدود إذا كان ذا جد، وقد أجدَّه
الله إجداداً جعله ذا جد، وقوله: وجدّك قسم. الحفل المبالاة. العُوَّد جمع عائد من
العيادة.
يقول: فلولا حُبّي ثلاث خصال هن من لذة الفتى
الكريم لم أبالِ متى قام عُوَّدي من عندي آيسين من حياتي، أي لم أبالِ متى مِتُّ.
58- فَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاتِ
بشَرْبةٍ *** كُميتٍ متى ما تُعلَ بالماءِ تُزْبدِ
يقول: إحدى تلك الخلال أني أسبق العواذل بشربة
من الخمر كُمَيْت اللون متى صُبَّ الماء عليها أَزبدت، يريد أن يباكر شرب الخمر قبل
انتباه العواذل.
59- وَكَرّي إذا نادى الْمُضافُ مُحَنَّباً
*** كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَهُ الْمُتَوَرِّدِ
الكرُّ: العطف. والكرور: الانعطاف. المضاف:
الخائف والمذعور، والمضاف الملجأ. المحنب: الذي في يده انحناء، والمجنّب الذي في رجله
انحناء. السِّيدُ: الذئب والجمع السيدان. الغضا: شجر. الورد والتورّد واحد.
يقول: والخصلة الثانية عطفي -إذا ناداني الملجأ
إلي والخائف عدوه مستغيثًاً إياي- فرساً في يده انحناء، يسرع في عدوه إسراع ذئب يسكن
فيما بين الغضا إذا نبهته وهو يريد الماء، جعل الخصلة الثانية إغاثته المستغيث وإعانته
اللاجئ إليه فقال:
أعطف في إغاثته فرسي الذي في يده انحناء
وهو محمود في الفرس إذا لم يفرط، ثم شبّه فرسه بذئب اجتمع له ثلاث خلال: إحداها كونه
فيما بين الغضا، وذئب الغضا أخبث الذئاب، والثانية إثارة الإنسان إياه، والثالثة وروده
الماء، وهما يزيدان في شدة العَدْوِ.
60- وتقصيرُ يومِ الدَّجنِ والدَّجنُ
مُعجِبٌ *** ببَهْكَنَةٍ تَحْتَ الطِّرَافِ الْمُعَمَّدِ
قصَّرتُ الشيء: جعلته قصيراً. الدجن: إلباس
الغيم آفاق السماء. البهكنة: المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة. الْمُعَمَّد: المرفوع
بالعمد.
يقول: والخصلة الثالثة أني أقصر يوم الغيم بالتمتع
بامرأة ناعمة حسنة الخلق تحت بيت مرفوع بالعمد، وجعل الخصلة الثالثة استمتاعه بحبائبه،
وشرط تقصير اليوم؛ لأن أوقات اللهو والطرب أقصر الأوقات؛ ومنه قول الشاعر:
شهور ينقضين وما شعرنا ** بأنصاف لهن ولا
سرار
وقوله: والدَّجنُ معجب أي: يعجب الإنسان.
61- كأنّ البُرِينَ والدّماليجَ عُلّقَتْ
*** عَلَى عُشَرٍ أَو خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّدِ
البرة: حلقة من صُفْرٍ أو شَبَهٍ أو غيرهما
تجعل في أنف الناقة، والجمع البُرَا والبرات والبرون في الرفع والبرين في النصب والجر،
استعارة للأسورة والخلاخيل. الدملج والدملوج: الْمِعْضَد، والجمع الدماليج والدمالج.
العُشَر والخِرْوَع: ضربان من الشجر. التَّخضيد: التشذيب من الأغصان والأوراق. والعشر
وصف البهكنة.
يقول: كأن خلاخيلها وأسورتها ومعاضدها معلّقة
على أحد هذين الضربين من الشجر، وجعله غير مخضد ليكون أغلظ، شبه ساعديها وساقيها بأحد
هذين الشجرين في الامتلاء والنعمة والضخامة.
62- كَرِيمٌ يُرَوِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِهِ
*** سَتَعْلَمُ إن مُتْنَا غَدًا أَيّنا الصّدي
يقول: أنا كريم يروِّي نفسه أيام حياته بالخمر،
ستعلم إن متنا غدًا أينا العطشان، يريد أنه يموت ريَّان وعاذله يموت عطشان.
63- أَرَى قَبْرَ نَحّامِ بَخيلٍ بِمَالِهِ
*** كَقَبْرِ غَوِيٍّ في البطالَةِ مُفْسِدِ
النحّام: الحريص على الجمع والمنع. الغويّ:
الغاوي الضال، والغي والغواية الضلالة، وقد غوى يغوي.
يقول: لا فرق بين البخيل والجواد بعد الوفاة فَلِمَ
أبخل بأعلاقي، فقال: أرى قبر البخيل والحريص بماله كقبر الضال في بطالته المفسد بماله.
64- تَرَى جُثَوَتَينِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهما
*** صَفائحُ صُمٌّ من صَفِيحٍ مُنَضَّدِ
الجثوة: الكومة من التراب وغيره، والجمع
الجثى. التنضيد: مبالغة النضد.
يقول: أرى قبري البخيل والجواد كومتين من التراب
عليهما حجارة عراض صلاب، فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت.
65- أَرَىَ الْمَوْتَ يعتامُ الكرَامَ
ويَصْطَفِي *** عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
الاعتيام: الاختيار. العقائل: كرائم المال
والنساءِ، الواحدة عقيلة، الفاحش: البخيل.
يقول: أرى الموت يختار الكرام بالإفناء، ويصطفي
كريمة مال البخيل المتشدد بالإبقاء، وقيل: بل معناه أن الموت يعم الأجواد والبخلاء،
فيصطفي الكرام، وكرائم أموال البخلاء؛ يريد أنه لا تخلص منه لواحد من الصنفين، فلا
يجدي البخل على صاحبه بخير فالجود أحرى لأنه أحمد.
66- أرَى العيش كنزًا ناقصاً كلَّ ليلةٍ
*** ومَا تَنْقُصِ الأيّامُ وَالدّهرُ يَنْفَدِ
شبه البقاء بكنز ينقص كل ليلة، وما لا يزال
ينقص فإن مآله إلى النفاد، فقال: وما تنقصه الأيام والدهر ينفد لا محالة، فكذلك العيش
صائر إلى النفاد لا محالة؛ والنفاد الفناء، والفعل نفد ينفد، والإنفاد الإفناء.
67 - لَعَمرُك إنّ الْمَوتَ ما أخطأ الفتى
*** لكالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْياهُ باليَدِ
العَمْر والعُمْر والعُمُر بمعنى، ولا يستعمل
في القَسَم إلا بفتح العين، قوله: ما أخطأ الفتى، فما مع الفعل هنا بمنزلة مصدر حل
محل الزمان، نحو قولهم: آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج، أي: وقت خفوق النجم ووقت مقدم
الحاج. الطِّوَل: الحبل الذي يُطَوَّلُ للدابة فترعى فيه. الإرخاء: الإرسال. الثني:
الطرف، والجمع الأثناء.
يقول: أقسم بحياتك أن الموت في مدة إخطائه الفتى،
أي: مجاوزته إياه، بمنزلة حبل طُوِّلَ للدابة ترعى فيه وطرفاه بيد صاحبه، يريد أنه
لا يتخلص منه، كما أن الدابة لا تفلت ما دام صاحبها آخذًا بطرفي طولها، لما جعل الموت
بمنزلة صاحب الدابة التي أرخى طولها، قال: متى شاء الموت قاد الفتى لهلاكه، ومن كان
في حبل الموت انقاد لقوده.
68- فَما لي أرَاني وابنَ عمي مالِكًا
*** مَتى أدْنُ مِنْهُ يَنأَ عني ويَبْعُدِ
النأي والبعد واحد، فجمع بينهما للتأكيد
وإثبات القافية، كقول الشاعر:
وهند أتى من دونها النأي والبعد
يقول: فما لي أراني وابن عمي متى تقربت منه تباعد
عني؟ يستغرب هجرانه إياه مع تقربه منه.
69- يَلُومُ وما أدري عَلامَ يَلُومُني
*** كما لامني في الحي قُرْطُ بن مَعبدِ
يلومني مالك وما أدري ما السبب الداعي إلى
لومه إياي، كما لامني هذا الرجل في القبيلة، يريد أن لومه إياه ظلم صراح كما كان لوم
قُرْط إياه كذلك.
70- وأَيأسَني مِنْ كلّ خَيرٍ طَلَبْتُهُ
*** كأَنّا وَضَعناهُ إلى رَمْسِ مُلْحَدِ
الرّمس: القبر وأصله الدفن. ألحدت الرجل:
جعلت له لحدًا.
يقول: قنطني مالك من كل خير رجوته منه حتى كأنا
وضعنا ذلك الطلب إلى قبر رجل مدفون في اللحد، يريد أنه آيسه من كل خير طلبه كما أن
الميت لا يرجى خيره.
71- على غَيرِ شَيءٍ قُلتُهُ غَيرَ أَنّنِي
*** نشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِل حَمولَةَ مَعبَدِ
النّشدان: طلب المفقود، الإغفال: الترك.
الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها. معبد: أخوه.
يقول: يلومني على غير شيء قلته وجناية جنيتها،
ولكنني طلبت إبل أخي ولم أتركها، فنقم ذلك مني وجعل يلومني، وقوله: غير أنني، استثناء
منقطع تقديره ولكنني.
72- وَقَرّبْتُ بِالقُرْبَى وَجَدِّكَ
إنَّنِي *** مَتَى يَكُ أَمْرٌ للنكيثَةِ أَشْهَدِ
القربى: جمع قربة، وقيل: هو اسم من القرب
والقرابة، وهو أصح القولين، النكيثة: المبالغة في الجهد وأقصى الطاقة، يقال: بلغت نكيثة
البعير أي أقصى ما يطيق من السير.
يقول: وقربت نفسي بالقرابة التي ضَمَّنا حبلها
ونظمنا خيطها، وأُقسمُ بحظك وبختك أنه متى حدث له أمر يبلغ فيه غاية الطاقة ويبذل فيه
المجهود أحضره وأنصره.
73- وَإِنْ أُدْعَ للجُلّى أَكُنْ مِنْ
حُماتها *** وإنْ يأتكَ الأعداءُ بالْجَهدِ أجهَدِ
الْجُلَّى: تأنيث الأجل، وهي الخطة العظيمة،
والجلاء بفتح الجيم والمد لغة فيها. الحماة: جمع الحامي من الحماية.
يقول: وإن دعوتني للأمر العظيم والخطب الجسيم
أكن من الذين يحمون حريمك، وإن يأتك الأعداء لقتالك أجهد في دفعهم عنك غاية الجهد،
والباء في قوله بالجهد زائدة.
74- وإن يقذِفوا بالقذعِ عِرْضَكَ أسقهمْ
*** بكأسِ حياضِ الْمَوتِ قبلَ التهدّدِ
القَذْعُ والقَذَعُ: الفحش. العرض: موضع
المدح والذم من الإنسان، قاله ابن دريد، وقد يفسر بالحسب، والعرض النفس، ومنه قول حسان:
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم
وقاء
أي: نفسي فداء، والعرض: العرق وموضع العرق،
والجمع الأعراض في جميع الوجوه، التهدد والتهديد: واحد. القذف: السب.
يقول: وإن أساء الأعداء القول فيك وأفحشوا الكلام،
أوردتهم حياض الموت
قبل أن أهددهم؛ يريد أنه يبيدهم قبل تهديدهم،
أي لا يشتغل بتهديدهم بل يشتغل بإهلاكهم، ومن روى بشرب فهو النصيب من الماء، والشرب
بضم الشين، مصدر شرب، يريد أسقهم شرب حياض الموت، فالباء زائدة والمصدر بمعنى المفعول
والإضافة بتقدير من.
75- بِلا حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وَكَمُحدَثٍ
*** هجائي وقَذفي بالشّكاةِ ومُطْرَدي
يقول: أجفى وأهْجَرَ وأضام من غير حدث إساءة أحدثته،
ثم أهجى وأشكى وأطرد كما يهجى من أحدث إساءة وجرّ جريرة وجنى جناية ويشكي ويطرد، والشكاية
والشكوى، والشكيّة والشكاة واحد، والمطرد بمعنى الإطراد، وأطردته صيرته طريداً.
76- فَلَو كَانَ مولايَ امْرَأً هُوَ
غيرُهُ *** لَفَرّجَ كَرْبي أو لأَنْظَرَني غدي
يقول: فلو كان ابن عمي غير مالك لفرج كربي
أو لأمهلني زمانًا. فَرَجْتُ الأَمْرَ وفرّجته: كشفته، والفرج انكشاف المكروه. كربه
الغم: إذا ملأ صدره، والكربة اسم منه، والجمع كرب. الإنظار: الإمهال، والنَظرة اسم
بمعنى الإنظار.
77- وَلَكِنّ مَوْلايَ امْرؤٌ هوَ خانقي
*** عَلَى الشّكْرِ والتَّسْآلِ أو أنا مفتَدِ
خنقت الرجل خنقًا: عصرت حلقه. التسآل: السؤال.
يقول: ولكن ابن عمي رجل يضيق الأمر علي حتى كأنه
يأخذ عليّ متنفسي على حال شكري إياه وسؤالي عوارفه وعفوه، أو كنت في حال افتدائي نفسي
منه.
يقول: هو لا يزال يضيّق الأمر عليّ سواء شكرته
على آلائه، أو سألته بره وعطفه، أو طلبت تخليص نفسي منه.
78- وَظُلمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدّ مَضَاضَةً
*** على الْمَرْءِ مِنْ وَقعِ الْحُسامِ المهنّدِ
مضَّني الأمر وأمضَّني: بلغ من قلبي وأثَّر
في نفسي تهييج الحزن والغضب، يقول: ظلم الأقارب أشد تأثيراً في تهييج نار الحزن والغضب
من وقع السيف القاطع المحدَّد أو المطبوع بالهند. الحسام: فُعَال من الحسم وهو القطع.
79- فَذَرْني وخُلْقي، إنّني لكَ شاكرٌ
… وَلَو حلّ بيْتي نائبًا عند ضَرْغَدِ
ضرغد: جبل
يقول: خلّ بيني وبين خلقي وكلني إلى سجيتي، فإني
شاكر لك وإن بعدت غاية البعد حتى ينزل بيتي عند هذا الجبل الذي سمي بضرغد، وبينهم وبين
ضرغد مسافة بعيدة وشقة شاقة وبينونة بليغة.
80- فلوْ شَاءَ رَبِّي كنتُ قيسَ بن خالِدٍ
*** ولوْ شَاءَ رَبِّي كنتُ عمرو بن مَرْثَدِ
هذان سيدان من سادات العرب مذكوران بوفور
المال ونجابة الأولاد، وشرف النسب وعظم الحسب.
يقول: لو شاء الله بلَّغني منزلتهما وقدرهما.
81- فأصْبَحتُ ذا مالٍ كثيرِ وزَارَني
*** بَنُونَ كِرامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ
يقول: فصرت حينئذ صاحب مال كثير وزارني
بنون موصوفون بالكرم والسؤدد لرجل مسوَّد يعني به نفسه، والتسويد مصدر سوَّدته فسَادَ.
يقول: لو بلَّغني الله منزلتهما لصرت وافر المال،
كريم العقب وهو الولد.
82- أنا الرّجُلُ الضّرْبُ الذي تَعرِفُونَهُ
*** خَشَاشٌ كرَأسِ الْحيّةِ الْمُتَوَقّدِ
الضرب: الرجل الخفيف اللحم.
يقول: أنا الضرب الذي عرفتموه، والعرب تتمدح بخفة
اللحم؛ لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل، وهما يمنعان من الإسراع في دفع الملمات وكشف
المهمات ثم قال: أنا دَخّال في الأمور بخفة وسرعة، شبه تيقظه وذكاء ذهنه بسرعة حركة
رأس الحية وشدة توقّده.
83- فآلَيْتُ لا يَنفَكّ كَشحي بطانَةً
*** لِعَضْبٍ رَقيقِ الشّفرَتَينِ مُهَنّدِ
لا ينفك: لا يزال، وما انفكّ ما زال، البطانة:
نقيض الظهارة. العضب السيف القاطع. شفرتا السيف: حدّاه، والجمع
الشفرات والشفار.
يقول: ولقد حلفت أن لا يزال كشحي لسيف قاطع
رقيق الحدّين طبعته الهند بمنزلة البطانة للظهارة.
84- حُسامٍ إذا ما قُمتُ منتصراً به ***
كفى العَوْدَ منهُ البدءُ ليسَ بِمِعضَدِ
الانتصار: الانتقام. المعضد: سيف يقطع به
الشجر، والعضد قطع الشجر، والفعل عضد يعضد.
يقول: لا يزال كشحي بطانة لسيف قاطع إذا ما قمت
منتقمًا به من الأعداء كفى الضربة الأولى به الضربة الثانية فيغني البدء عن العود،
وليس سيفًا يقطع به الشجر، نفى ذلك؛ لأنه من أَرْدَأ السيوف.
85- أخي ثِقَةٍ لا يَنْثَني عن ضرِيبةٍ
*** إذا قيلَ مهلًا قال حاجزُه قَدي
أخي ثقة: يوثق به، أي صاحب ثقة. الثني:
الصرف، والفعل ثنى يثني والانثناء: الانصراف. الضريبة: ما يضرب بالسيف، والرمية: ما
يرمى بالسهم، والجمع الضرائب والرمايا. مهلًا: أي كف. قدي وقدني: أي حسبي، وقد جمعهما
الراجز في قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يقول: هذا السيف سيف يوثق بمضائه كالأخ الذي يوثق
بإخائه لا ينصرف عن ضريبة أي لا ينبو عما ضرب به، إذا قيل لصاحبه كُفَّ عن ضرب عدوك
قال مانع السيف وهو صاحبه: حسبي فإني قد بلغت ما أردت من قتل عدوي، يريد أنه ماضٍ لا
ينبو عن الضرائب، فإذا ضرب به صاحبه أغنته الضربة الأولى عن غيرها.
86- إذَا ابْتَدَرَ القوْمُ السّلاحَ
وجدْتَني *** مَنيعاً إذا بَلّتْ بقائِمِهِ يَدي
ابتدر القوم السلاح: استبقوه. المنيع: الذي
لا يقهر ولا يغلب. بلَّ بالشيء يبلّ به بلًّا إذا ظفر به.
يقول: إذا استبق القوم أسلحتهم وجدتني منيعًا
لا أقهر ولا أغلب إذا ظفرت يدي بقائم هذا السيف.
87- وَبَرْكٍ هُجُود قَدْ أثارَتْ مَخافَتي
*** بَوادِيهَا، أمشي بعَضْبٍ مُجَرّدِ
البرك: الإبل الكثيرة الباركة. الهجود:
جمع هاجد وهو النائم، وقد هجد يهجد هجوداً. مخافتي مصدر مضاف إلى المفعول، بواديها:
أوائلها وسوابقها.
يقول: ورُبّ إبل كثيرة باركة قد أثارتها عن مباركها
مخافتها إياي في حال مشيي مع سيف قاطع مسلول من غمده، يريد أنه أراد أن ينحر بعيرًا
منها فنفرت منه لتعوّدها ذلك منه.
88- فَمَرّت كَهاةٌ ذاتُ حَيْف جُلالَةٌ
*** عَقيلَةُ شَيخٍ كالوَبيلِ يلَنْدَدِ
الكهاة والجلالة: الناقة الضخمة السمينة:
الْخَيف: جلد الضرغ، وجمعه أخياف. العقيلة: كريمة المال والنساء والجمع العقائل. الوبيل:
العصا الضخمة. اليلندد والألندد والألدّ: الشديد الخصومة، وقد لَدَّ الرجل يَلَدُّ
لددًا صار شديد الخصومة وقد لدته ألده لدًا غلبته بالخصومة.
يقول: فمرت بي في حال إثارة مخافتي إياها ناقة
ضخمة لها جلد الضرع وهي كريمة مال شيخ قد يبس جلده ونحل جسمه من الكبر حتى صار كالعصا
الضخمة يبساً ونحولاً، وهو شديد الخصومة؛ قيل: أراد به أباه، يريد أنه نحر كرائم مال
أبيه لندمائه، وقيل: بل أراد غيره ممن يغير هو على ماله، والقول الأول أحراهما بالصواب.
89- يَقولُ وَقَدْ تَرّ الوَظيفُ وسَاقُها
*** أَلَستَ تَرى أن قد أَتَيتَ بِمُؤيِدِ
تَرَّ: أي سقط. المؤيد: الداهية العظيمة
الشديدة.
يقول: قال هذا الشيخ في حال عقري هذه الناقة الكريمة
وسقوط وظيفها وساقها عند ضربي إياها بالسيف: ألم تر أنك أتيت بداهية شديدة بعقرك مثل
هذه الناقة الكريمة النجيبة؟.
90- وَقَالَ: أَلَا مَاذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ
*** شَديدٍ علينا بغْيُهُ مُتَعَمِّدِ
يقول: قال هذا الشيخ للحاضرين: أي شيء ترون أن
يفعل بشارب خمر اشتد بغيه علينا عن تعمد وقصد؟ يريد أنه استشار أصحابه في شأني وقال:
ماذا نحتال في دفع هذا الشارب الذي يشرب الخمر ويبغي علينا
بعقر كرائم أموالنا ونحرها متعمدًا قاصدًا؟ ترون من الرأي والباء في قوله بشارب صلة
محذوف تقديره أن يفعل ونحوه.
91- وَقَالَ: ذَرُوهُ إنَّما نَفْعَهَا
لَهُ *** وَإلّا تكُفّوا قاصيَ البْرَكِ يَزْدَدِ
ذروه: دعوه، والماضي منهما غير مستعمل عند
جمهور الأئمة اجتزاء بـ: "تَرَكَ" منهما، وكذلك اسم الفاعل والمفعول لاجتزائهم
بالتارك والمتروك. الكفّ: المنع والامتناع، كفَّه فكَفَّ، والمضارع منهما يَكُفُّ.
يقول: ثم استقر رأي الشيخ على أنه قال دعوا طرفة
إنما نفع هذه الناقة له. أو أراد إنما نفع هذه الإبل له؛ لأنه ولدي الذي يرثني وإلا
تردّوا وتمنعوا ما بعد هذه الإبل من الندود يزدد طرفة من عقرها ونحرها، أراد أنه أمرهم
بردّ ما نَدَّ لئلا أعقر غير ما عقرت.
92- فَظَلّ الإماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا
*** ويُسْعَى علَينا بالسَّديفِ الْمُسرْهَدِ
الإماء: جمع أمة. الامتلال والملل: جعل
الشيء في الملة وهي الجمر والرماد الحار. والحوار للناقة: بمنزلة الولد للإنسان يعم
الذكر والأنثى، السديف: السنام، وقيل: قطع السنام. المسرهد: المربّى، والفعل سرهد يسرهد
سرهدة.
يقول: فظل الإماء يشوين الولد الذي خرج من بطنها
تحت الجمر والرماد الحار، ويسعى الخدم علينا بقطع سنامها المقطع، يريد أنهم أكلوا أطايبها
وأباحوا غيرها للخدم، وذكر الحوار دال على أنها كانت حبلى وهي من أنفس الإبل عندهم.
93- فَإِن مُتُّ فَاِنعيني بِما أَنا
أَهلُهُ *** وَشُقّي عَلَيَّ الجَيبَ يا اِبنَةَ مَعبَدِ
لما فرغ من تعداد مفاخره أوصى ابنة أخيه
-ومعبدٌ أخوه- فقال: إذا هلكت فأشيعي خبر هلاكي بثنائي الذي أستحقه وأستوجبه وشُقَّي
جيبك عليّ، يوصيها بالثناء عليه والبكاء. النعي: إشاعة خبر الموت، والفعل نعى ينعى،
أهله أي مستحقه، كقوله تعالى: "وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا".
94- وَلا تجعَليني كامْرِئٍ ليْسَ هَمّهُ
*** كَهَمّي ولا يُغني غَنائي ومَشهدي
يقول: ولا تُسوّي بيني وبين رجل لا يكون
همه مطلب المعالي كهمّي، ولا يكفي المهم والملم كفايتي، ولا يشهد الوقائع مشهدي، والهمّ
أصله القصد، يقال: هم بكذا أي قصد له، ثم يجعل الهم والهمة اسْمًا لداعية النفس إلى
العلا. الغناء: الكفاية. المشهد في البيت بمعنى الشهود وهو الحضور، أي: ولا يغني غناء
مثل غنائي ولا يشهد الوقائع شهودًا مثل شهودي.
يقول: لا تعدلي بي من لا يساويني في هذه الخلال
فتجعلي الثناء عليه كالثناء عليّ والبكاء عليه كالبكاء عليّ.
95- بَطِيءٍ عَنِ الْجُلّي سَريعٍ إلى
الخنا *** ذَلولٍ بِأَجْمَاعِ الرّجالِ مُلَهَّدِ
البطء: ضد العجلة، والفعل بطؤ يبطأ، الجلّي:
الأمر العظيم. الخنا: الفحش. جُمع الكف، وجَمعها لغتان يقال: ضربه بجمع كفه إذا ضربه
بها مجموعة، والجمع الأجماع. التلهيد: مبالغة اللهد وهو الدفع بجمع الكف، يقال: لهده
يلهده لهدًا. والبيت كله من صفة من ينهى ابنة أخيه أن تعدل غيره به.
يقول: ولا تجعليني كرجل يبطأ عن الأمر العظيم
ويسرع إلى الفحش وكثير ما يدفعه الرجال بأجماع أكفهم فقد ذل غاية الذل.
96- فَلَوْ كُنْتُ وَغْلًا في الرّجَال
لَضَرّني *** عداوَةُ ذي الأصحابِ والْمُتَوَحِّدِ
الوغل: أصله الضعيف يستعار للئيم.
يقول: لو كنت ضعيفًا من الرجال لضرّتني معاداة
ذي الأتباع والمنفرد الذي لا أتباع له، إياي، ولكنني قوي منيع لا تضرني معاداتهما إياي
ويروى وغدًا، وهو اللئيم.
97- وَلكِنْ نَفَى عَنِّي الرجال جَرَاءَتِي
*** عليْهِمْ وإقْدَامي وصِدقي ومَحْتدي
الجرأة والجراءة واحد، والفعل جرؤ يجرؤ،
والنعت جريء، وقد جرَّأه على كذا أي شجعه، المحتد: الأصل.
يقول: ولكن نفى عني مباراة الرجال ومجاراتهم شجاعتي
وإقدامي في الحروب وصدق صريمتي وكرم أصلي.
98- لَعَمْرُكَ ما أمْرِي
عليّ بِغُمَّةٍ *** نَهَارِي ولا لَيلِي عَليّ بسرْمَدِ
الغمة والغم واحد، وأصل الغم التغطية، والفعل
غم يغم ومنه الغمام؛ لأنه يغم السماء أي يغطيها، ومنه الأغم والغماء، لأن كثرة الشعر
تغطي الجبين والقفا.
يقول: أقسم ببقائك ما يغم أمري رأيي، أي ما تغطي
الهموم رأيي في نهاري، ولا يطول عليّ ليلي حتى كأنه صار دائمًا سرمدًا، وتلخيص المعنى:
أنه تمدح بمضاء الصريمة وذكاء العزيمة، يقول: لا تغمني النوائب فيطول ليلي ويظلم نهاري.
99- وَيَوْمَ حَبَسْتُ النَّفْسَ عندَ
عرَاكهِ *** حفَاظاً عَلى عوْرَاتِهِ والتّهَدّدِ
العراك والمعاركة: القتال، وأصلهما من العرك
وهو الدلك، الحفاظ: المحافظة على ما تجب المحافظة عليه من حماية الحوزة والذب عن الحريم
ودفع الذم عن الأحساب.
يقول: وربّ يوم حبست نفسي عن القتال والفزعات
وتهدد الأقران محافظة على حسبي.
100- عَلَى مَوْطنٍ يخشَى الفَتَى عندَهُ
الرّدَى *** متى تعْترِكُ فيهِ الفرَائصُ تُرْعَدِ
الموطن: الموضع. الردى: الهلاك، والفعل
ردي يردى، والإرداء: الإهلاك. الاعتراك والتعارك واحد. الفرائص: جمع فريصة وهي لحمة
عند مجمع الكتف ترعد عند الفزع.
يقول: حبست نفسي في موضع من الحرب يخشى الكريم
هناك الهلاك ومتى تعترك الفرائص فيه أرعدت من فرط الفزع وهول المقام.
101- وَأَصْفَرَ مَضْبوحٍ نظَرْتُ حِوَارَه
** على النَّار واستَودعتُه كفّ مُجْمِدِ
ضبحت الشيء: قربته من النار حتى أثرت فيه،
أضبحه ضبحاً، الحوار والمحاورة: مراجعة الحديث، وأصله من قولهم:
حار يحور إذا رجع؛ ومنه قول لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادًا
بعدَ إذ هو ساطع
نظرت: أي انتظرت، والنظر الانتظار، ومنه
قوله تعالى: "انْظُرُونَاَ نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ". استودعته وأودعته
واحد. المجمد: الذي لا يفوز، وأصله من الجمود.
يقول: ورب قدح أصفر قد قرب من النار حتى أثرت
فيه، وإنما فعل ذلك ليصلب ويصفر، انتظرت مراجعته أي انتظرت فوزه أو خيبته ونحن مجتمعون
على النار له، وأودعت القدح كفَّ رجل معروف بالخيبة وقلة الفوز، يفتخر بالميسر وإنما
افتخرت العرب به لأنه لا يركن إليه إلا سمح جواد، ثم كمل المفخرة بإيداع قدحه كف مجمد
قليل الفوز.
102- ستُبْدِي لكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ
جاهلًا *** وَيَأْتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدِ
يقول: ستطلعك الأيام على ما تغفل عنه وسينقل إليك
الأخبار من لم تزوده.
103- وَيَأْتِيكَ بالأَخْبَارِ من لَمْ
تَبعْ لَهُ *** بَتاتًا وَلَمْ تضرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
باع قد يكون بمعنى اشترى، وهو في البيت
بهذا المعنى، البتات: كساء المسافر وأداته، الجمع أبتّة. ولم تضرب له أي لم تبين له
كقوله تعالى: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا". أي بيّن وأوضح.
يقول: سينقل إليك الأخبار من لم تشترِ له متاع
المسافر، ولم تبيّن له وقتاً لنقل الأخبار إليك.
المصدر: شرح المعلقات السبع للززوزني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/