كَبُرَ عَمروٌ عن الطّوْقِ
قَال المفضل: أولُ من قَال ذلك جذيمة الأبرش،
وعَمرو هذا: ابن أخْتِهِ، وهو عمرو بن عديِّ بن نصر وكان جَذيمة ملك الحيرةَ، وجَمَع
غِلْمانا من أبناء الملوك يخدمونه منهم عديٌّ بن النصر، وكان له حظ من الجَمَال، فعشقته
رَقَاشِ أخت جَذِيمة، فَقَالت له: إذا سقيت الملك فسَكِرَ فاخطبني إليه، فسقى عديٌّ
جَذِيمَةَ ليلة وألطف له في الخدمة، فأسرعت الخمر فيه، فَقَال له: سَلْنِي ما أحبَبت،
فَقَال: أسألُك أن تُزَوجْني رَقَاشِ أخْتَك، قَال: ما بِها عنك رغبة، قد فعَلْتُ،
فعلمت رَقَاشِ أنه سينكر ذلك عند إفاقته، فَقَالت للغلام: أُدْخُل على أهلكَ الَليلةَ،
فدخلَ بها وأصبح وقد لبث ثياباً جُدُداً، وتَطَيَّبَ، فلما رآه جَذيمة قَال: يا عَدِيُّ
ما هذا الذي أرى؟ قَال: أنكحْتَنِي أخْتَكَ رَقَاشِ البَارِحَة، قَال: ما فعلتُ؟ ثم
وضَعَ يَده في التراب وجعل يَضرِب بها وجهه ورأسَه، ثم أقبل على رٌقاشِ فَقَال:حدِّثيني وأنتِ غَيْرُ كَذُوبٍ … أبِحُرٍّ زنَيْتِ أم بِهَجِينِ
(حِفظي … حدثيني رقاش لا تُكذبيني… )
أمْ بِعَبْدٍ وأنت أهلٌ لِعَبْدِ … أم بِدُونٍ وأنتِ أهلٌ لِدُونِ
قَالت: بل زوجتني كُفُؤا كريماً من أبناء الملوك، فأطرقَ جذيمة فلمّا رآه عديّ قد فعل ذلك خافه على نفسه فهرب منه ولحقَ بقومه وبلاده، فمات هُناك، وعَلِقت منه رقاشِ فولدت غلاماً فسماه جذيمة عمراً، وتبنَّاه، وأحبه حباً شديداً وكان جذيمة لا يولد له، فلمّا بلغ الغلام ثمان سنين كان يخرج في عدةٍ من خدمِ الملك يجتنون له الكِمأة، فكانوا إذا وجدوا كمأة خياراً أكلوها وراحوا بالباقي إلى الملك، وكان عَمرو لا يأكل ممّا يجني ويأتي به جذيمة فيضعه بين يديه، ويقول:
هَذا جَنايَ وخِيَارُهُ فِيهِ … إذْ كَلُّ جَانٍ يَدُهُ إلى فيه
فذهبت مَثَلاً، ثم إنّه خرج يوماً وعليه ثيابٌ وحُلي فاستطِيرَ ففُقِدَ زَماناً، فضرب في الآفاق فلم يوجد، وأتى على ذلك ما شاء الله ثم وجده مالك وعقيل ابنا فارج، رجلان من بلْقَيْن كانا يتوجَّهان إلى الملك بهدايا وتحفِ، فبينما هما نازلان في بعض أودِيةِ السَّمَاوة انتهى إليهما عمرو بن عدي، وقد عفَتْ أظْفَارَهُ وشعره، فَقَالا له: مَنْ أنت؟ قَال: ابنُ التَّنُوخية فلَهَيَا عنه وقَالا لجارية معهما: أطعمينا، فأطعمتهما، فأشار عمرو إلى الجارية أنْ أطعميني، فأطعمتْه ثم سقتهما، فَقَال عمرو: اسقِنِي، فَقَالت الجارية لا تًطْعم العبدَ الكُرَاع فيطْمَع في الذِّراعِ فأرسلتها مَثَلاً، ثم إنّهما حَمَلَاهُ إلى جذيمة فعرفه، ونظر إلى فتَى ما شاء مِن فتى فضمَّه وقَبِلَهُ وقَال لهما: حكَّمْتُكما، فسألاه منادمته، فلم يزالا نديميه حتى فرَّقَ الموت بينهم، وبعث عمراً إلى أمّه، فأدخلته الحمام وألبسته ثيابه، وطوَّقته طَوْقَاً كان له من ذهب، فلما رآه جذيمة قَال: كَبُرَ عمرو عن الطَّوقِ، فأرسلها مَثَلاً، وفي ملك وعقيل يقولوا مُتَمِّمُ بن نُويرة يرثي أخاه مالك بن نُوَيرة
وكُنَّا كَنَدْمانَيّ جَذِيمة حقْبَةً … مِنَ الدَّهرِ حتَّى قِيل لَنْ نَتَصَدَّعا
وعِشْنَا بِخَيْرٍ في الحَيَاةِ وَقَبْلَنَا … أصَابَ المنايَا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعا
فَلَّمَا تَفَرَّقْنَا كَأنِّي وَمَالِك … لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبَتْ لَيْلَةً معاً
قلت: اللام في (لطول اجتماع) يجوز أن تتعلقَ بتفرقنا أي تفرقنا لاجتماعنا، يشير إلى أن التفرقَ سببه الاجتماع ويجوز أن تكون اللام بمعنى على.
وقَال أبو أَخراش الهذلى يذكرهما: ألم تَعْلَمي أن قَدْ تَفَرَّقَ قَبْلَنَا خليلَا صفاءٍ مالكٌ وعقِيلُ قَال ابن الكلبي: يضرب المثل بهما للمُتُوَاخِيَين فيقَال: هما كنَدْمَانَيّ جَذِيمة. قَالوا: دامت لهما رتبت المنادمة أربعين سنة.
ويروى شب عَمْرو عَن الطوق وَجل عَمْرو يضْرب فى ارْتِفَاع الْكَبِير عَن هَيْئَة الصَّغِير وَمَا يستهجن من تحلية بحليته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/