إنَّ الْعَصا مِنَ العُصَيَّة
1- توزيع الميراث:يُحكَى أنّ نِزَار بن معد بن عدنان لمَّا حَضْرَتْه الوفاة جَمَع بنيه الأربعة (مُضَر وإياداً وربيعة وأنْماراً)، فأعطى القبَّة الحمراء - وكانت من أدَم (جلد) - لمضر، والفرس الأدهم والخِباء الأسود لربيعة، وهذه الخادم - وكانت شَمْطَاء - لإياد، وهذه البدرة (كيس من النقود) والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فافتوا الأفعى الجرهمي، ومنزلُه بنَجْرَان.
2- البعير المفقود:
فاختلفوا وتشاجروا في ميراثه، فتوجَّهُوا إلى الأفعى الجرهمي، فبينما هم في طرقهم إليه إذ رأى مُضَرُ أثَرَ كلأ قد رُعِىَ فقال: إنَّ البعيرَ الذي رَعَى هذا الكلأ لأعْوَرُ، وقال ربيعةُ: إنه لأزْوَرُ، وقال إيادٌ: إنه لأبتَرُ (الأزور: الذي اعْوَجَّ صدرُه أو أشرف أحد جانبي صدره على الآخر، والأبْتر: المقطوع الذنب) قال أنمارٌ: إنه لَشَرُود، فساروا قليلاً فإذا هم برجلٍ يَنْشُد جَمَله، فسألهم عن البعير، فقال مضرُ: أهو أعور؟ قال: نعم، قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم، قال إياد: أهو أبتر؟ قال: نعم، قال أنمار: أهو شَرُود؟ قال: نعم، وهذه واللهِ صفة بعيري فدُلُّوني عليه، قالوا: واللهِ ما رأيناه، قال: هذا واللهِ الكذبُ، وتَعَلَّق بهم وقال: كيف أصَدِّقُكم وأنتم تَصِفون بعيري بصفته؟، فساروا حتَّى قَدِموا نَجْران، فلما نزلوا نادَى صاحبُ البعير: هؤلاء أَخَذوا جَمَلي ووصَفوا لي صفته ثم قالوا: لم نَرَهُ، فاختصموا إلى الأفْعَى الجرهميّ، وهو حَكَم العرب.
نزل الأخوة الأربعة والأعرابيُّ مجلس الأفعى الجرهميّ فقال لهم: كيف وصفتموه ولم تَرَوْه؟ قال مضر: رأيتُه رَعَى جانباً وتَرَك جانباً فعلمتُ أنّه أعورُ، وقال ربيعةُ: رأيتُ إحدى يديه ثابتةَ الأثَرِ والأخرَى فاسدة، فعلمتُ أنَّه أَزْوَرُ، لأنَّه أفسَده بشدةِ وَطئه لِازْوِرَاره، وقال إيادٌ: عرفتُ أنَّه أبْترُ باجْتماع بَعَرِه، ولو كان له ذيلٌ لَمَصَع به، وقال أنمارٌ: عرفتُ أنَّه شَرُودٌ لأنَّه كان يرعى في المكان الملفتّ نَبْتُه ثم يَجُوزُه إلى مكان أرقَّ منه وأخبثَ نَبْتاً فعلمتُ أنّه شَرُود، فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلُبْه (ابحث عنه)،
سألهم حكم العرب: مَنْ أنتم؟ فأخبروه، فرحَّب بهم، ثم أخبروه سبب مجيئهم إليه،
فقال: أتحتاجون إليَّ وأنتم كما أرى؟.
ذَبَحَ الجرهميُّ لهم شاةً، وأتاهم بخَمْر: وجلس لهم الأفعَى (مُختبأً) حيث لا يُرَى وهو يسمع كلامهم، فقال ربيعةُ: لمْ أَرَ كاليوم لحماً أطيبَ منه لولا أنَّ شاتَه غُذِيت بلبن كلبة!، فقال مضر: لم أرَ كاليوم خمراً أطيَبَ منه لولا أنَّ حُبْلَتَها نبتت على قَبر، فقال إياد: لم أرَ كاليوم رجلاً أسْرَى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يُدْعَى له! فقال أنمار: لم أرَ كاليوم كلاماً أَنْفَعَ في حاجتنا من كلامنا، وكان كلامُهم بأذُنِهِ (يسمعهم)، فقال: ما هؤلاء إلا شياطين، فأراد الأفعى أنْ يتأكّد من صحة ما قالوه ووصفوا به الشاة التي أكلوها).
ثم أتَى أمَّه فسألها عن أبيه، فأخبرتُه أنّها كانت تحت ملِك كثير المال، لا يولد له، قالت: فخفتُ أن يموت ولا ولد له فيذهب المُلْكُ، فأمكنْتُ من نفسي ابنَ عم له كان نازلاً عليه.
5- القضاء الفصل:
خرج الأفعى إلى الأخوة، فقصَّ القومُ عليه قصتهم وأخبروه بما أوصَى به أبوهم، (حكم بينهم) فقال: ما أشْبَهَ القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسُمِّي "مضر الحمراء"، وقال: وأمَّا صاحب الفرس الأدْهم والخِباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيلُ الدُّهْمُ، فقيل " ربيعة الفرس" وما أشبه الخادمَ الشمطاء فهو لإياد، فصار له الماشية البُلْقُ من الحَبَلَّقِ والنَّقَدِ (الحبلق: غنم صغار لا تكبر، والنقد: جنس من الغنم قبيح الشكل) ، فسُمِّي "إياد الشَّمْطَاء" وقضى لأنمار بالدراهم وبما فَضَل فسُمِّي "أنمار الفضل" فصَدَروا من عنده على ذلك، فقال الأفعى: إنَّ الْعَصا مِنَ العُصَيَّة، وإنَّ خُشَيْناً من أخْشَن، ومُسَاعدة الخاطل تعد من الباطل، فأرسلهن مُثُلاً، وخُشَيْن وأخشن: جَبَلَان أحدهما أصغر من الآخر، والخاطل: الجاهل، والْخَطَل في الكلام: اضطرابه، والعُصَيَّة: تصغير تكبير مثل "أنا عُذَيْقُها المرَجَّبُ وجُذَيْلُها المُحَكَّكُ" والمراد أنّهم يشبهون أباهم في جَوْدة الرأي، وقيل: إن العصا اسم فرس، والعُصَيَّة اسم أمه، يراد أنه يحاكي (يشابه) الأم في كَرَم العِرْق وشرف العِتْق.
وقيل: إن العصا اسم فرس، والعُصَيَّة اسم أمه، يراد أنه يحاكي (يشابه) الأم في كَرَم العِرْق وشرف العِتْق".
المصدر: مجمع الأمثال للميداني.
إعراب المثل: من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/