‌ألَا ‌من ‌يشتري ‌سهراً ‌بنوم

حفظ الأمانة براءة من عاقبة السوء

‌ألَا ‌مَنْ ‌يَشْترِي ‌سَهَراً ‌بِنَوْمٍ: 

قالوا: إنَّ أوّلَ مَنْ قال ذلك ذو رُعَيْن الْحِمْيَري، وذلك أن حِمْيَر تفرَّقتْ على ملكها حسّان، وخالفت أمره لسوء سيرته فيهم، ومالوا إلى أخيه عمرو، وحملوه على قَتْل أخيه حَسَّان وأشاروا عليه بذلك ورغبوه في المُلْك، ووَعَدوه حسن الطاعة والمؤازرة، فنهاه ذو رُعَيْن من بين حمير عن قتل أخيه، وعلم أنه إنْ قتل أخاه ندم ونَفَر عنه النوم وانتقض عليه أموره، وأنه سيعاقِبُ الذي أشار عليه بذلك، ويعرف غشّهم له، فلما رأى ذو رُعَيْن أنه لا يقبل ذلك منه وخشي العواقب قال هذين البيتين وكتبهما في صحيفة وختم عليها بخاتم عمرو، وقال: هذه وديعة لي عندك إلى أنْ أطلبها منك، فأخذها عمرو فدَفَعها إلى خازنه وأمَرَه برفعها إلى الخزانة والاحتفاظ بها إلى أن يَسْأل عنه، فلما قَتَلَ أخاه وجلس مكانه في الملك مُنِعَ منه النومُ، وسُلِّط عليه السهر، فلمّا اشتدّ ذلك عليه لم يَدَعْ باليمن طبيباً ولا كاهنا ولا مُنجِّماً ولا عرّافاً ولا عائفاً إلّا جمعهم، ثم أخبرهم بقصته، وشكا إليهم ما به، فقالوا له: ما قَتَلَ رجل أخاه أو ذا رَحِم منه على نحو ما قتلتَ أخاك إلّا أصابه السهر ومُنع منه النوم، فلمّا قالوا له ذلك أقبل على مَنْ كان أشار عليه بقتل أخيه وساعده عليه من أقْيَال حِمْير فقتلهم حتى أفناهم، فلمّا وصل إلى ذي رُعَين قال له: أيها الملك إن لي عندك بَرَاءة مما تريد أنْ تصنعَ بي، قال: وما براءتك وأمانك؟ قال: مُرْ خازنك أنْ يُخرِجَ الصحيفة التي استودعتكها يوم كذا وكذا، فأمر خازِنه فأخرجها فنظر إلى خاتمه عليها ثم فَضَّها فإذا فيها:

‌ألَا ‌مَنْ ‌يَشْتَري ‌سَهَراً ‌بِنَوْمٍ … سَعِيدٌ مَنْ يبيتُ قَرِيرَ عَيْنِ

فإمَّا حِمْيَر غَدَرَتْ وخانت … فَمَعْذِرَةُ الإله لِذِي رُعَيْنَ

ثم قال له: أيها الملك قد نَهيتك عن قتل أخيك، وعلمتُ أنك إن فعلت ذلك أصابك الذي قد أصابك، فكتبتُ هذين البيتين بَرَاءة لي عندك ممّا علمت أنك تصنع بمن أشار عليك بقتل أخيك، فقبل ذلك منه، وعفا عنه، وأحسن جائزته.

يُضرَب لمن غمط النعمة وكره العافية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر:
أهلاً وسهلاً بك اكتب ملاحظاتك أو سؤالك أو راسلنا على صفحة النحو والصرف:
https://www.facebook.com/arabicgrammar1255/

جميع الحقوق محفوظه © الإشراق1

تصميم الورشه